فلما ذهب عن إبراهيم الروع وجاءته البشرى يجادلنا في قوم لوط إن إبراهيم لحليم أواه منيب
الروع : ما أوجس من الخيفة، حين نكر أضيافه ، والمعنى: أنه لما اطمأن قلبه بعد الخوف وملئ سرورا بسبب البشرى بدل الغم، فرغ للمجادلة.
فإن قلت: أين جواب "لما" ؟
قلت: هو محذوف كما حذف قوله: فلما ذهبوا به وأجمعوا [يوسف: 15]، وقوله: يجادلنا : كلام مستأنف دال على الجواب، وتقديره: اجترأ على خطابنا، أو فطن لمجادلتنا، أو قال: كيت وكيت، ثم ابتدأ فقال: يجادلنا في قوم لوط ، وقيل في "يجادلنا": هو جواب "لما"، وإنما جيء به مضارعا لحكاية الحال، وقيل: إن "لما" ترد المضارع إلى معنى الماضي، كما ترد "إن": الماضي إلى معنى الاستقبال، وقيل: معناه: [ ص: 218 ] أخذ يجادلنا، وأقبل يجادلنا، والمعنى: يجادل رسلنا، ومجادلته إياهم أنهم قالوا: إنا مهلكو أهل هذه القرية [العنكبوت: 31]، فقال: أرأيتم لو كان فيها خمسون رجلا من المؤمنين أتهلكونها؟ قالوا: لا، قال: فأربعون ؟ قالوا: لا، قال: فثلاثون ؟ قالوا: لا، حتى بلغ العشرة، قالوا: لا، قال: أرأيتم إن كان فيها رجل واحد مسلم أتهلكونها؟ قالوا: لا، فعند ذلك قال: إن فيها لوطا [العنكبوت: 32]، قالوا نحن أعلم بمن فيها لننجينه وأهله [العنكبوت: 32] ، في قوم لوط : في معناهم، وعن : قالوا له: إن كان فيها خمسة يصلون، رفع عنهم العذاب، وعن ابن عباس : ما قوم لا يكون فيهم عشرة فيهم خير، وقيل: كان فيها أربعة آلاف ألف إنسان، قتادة إن إبراهيم لحليم : غير عجول على كل من أساء إليه، أواه : كثير التأوه من الذنوب، منيب : تائب راجع إلى الله بما يحب ويرضى، وهذه الصفات دالة على رقة القلب، والرأفة، والرحمة، فبين أن ذلك مما حمله على المجادلة فيهم رجاء أن يرفع عنهم العذاب، ويمهلوا لعلهم يحدثون التوبة، والإنابة كما حمله على الاستغفار لأبيه .