ورزقني منه : أي: من لدنه، رزقا حسنا : وهو ما رزقه من النبوة والحكمة، وقيل: رزقا حسنا : حلالا طيبا من غير بخس ولا تطفيف . [ ص: 227 ] فإن قلت: أين جواب: "أرأيتم"، وما له لم يثبت كما أثبت في قصة نوح ولوط ؟
قلت: جوابه محذوف; وإنما لم يثبت، لأن إثباته في القصتين دل على مكانه، ومعنى الكلام ينادي عليه، والمعنى: أخبروني إن كنت على حجة واضحة، ويقين من ربي، وكنت نبيا على الحقيقة، أيصح لي ألا آمركم بترك عبادة الأوثان والكف عن المعاصي؟ والأنبياء لا يبعثون إلا لذلك؟ يقال: خالفني فلان إلى كذا: إذا قصده وأنت مول عنه، وخالفني عنه إذا ولى عنه وأنت قاصده، ويلقاك الرجل صادرا عن الماء فتسأله عن صاحبه؟ فيقول: خالفني إلى الماء، يريد أنه قد ذهب إليه واردا وأنا ذاهب عنه صادرا، ومنه قوله تعالى: وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه : يعني: أن أسبقكم إلى شهواتكم التي نهيتكم عنها، لأستبد بها دونكم، إن أريد إلا الإصلاح : ما أريد إلا أن أصلحكم بموعظتي، ونصيحتي، وأمري بالمعروف، ونهيي عن المنكر، ما استطعت : ظرف، أي: مدة استطاعتي للإصلاح، وما دمت متمكنا منه لا آلو فيه جهدا، أو بدل من الإصلاح، أي: المقدار الذي استطعته منه. ويجوز أن يكون على تقدير حذف المضاف على قولك: إلا الإصلاح: إصلاح ما استطعت، أو مفعول له; كقوله [من المتقارب]:
ضعيف النكاية أعداءه ... ................................
أي: ما أريد إلا أن أصلح ما استطعت إصلاحه من فاسدكم، وما توفيقي إلا بالله : [ ص: 228 ] وما كوني موفقا لإصابة الحق فيما آتي وأذر، ووقوعه موافقا لرضا الله إلا بمعونته وتأييده، والمعنى: أنه استوفق ربه في إمضاء الأمر على سننه، وطلب منه التأييد والإظهار على عدوه، وفي ضمنه تهديد للكفار، وحسم لأطماعهم فيه .