وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين
طرفي النهار : غدوة وعشية، وزلفا من الليل : وساعات من الليل، وهي ساعاته القريبة من آخر النهار، من أزلفه إذا قربه وازدلف إليه، وصلاة الغدوة: الفجر، وصلاة العشية: الظهر والعصر; لأن ما بعد الزوال عشي، وصلاة الزلف: المغرب والعشاء، [ ص: 243 ] وانتصاب طرفي النهار على الظرف، لأنهما مضافان إلى الوقت; كقولك: أقمت عنده جميع النهار، وأتيته نصف النهار، وأوله، وآخره، تنصب هذا كله على إعطاء المضاف حكم المضاف إليه; ونحوه: وأطراف النهار [طه: 130]، وقرئ: "وزلفا" بضمتين، "وزلفا" بسكون اللام، "وزلفي": بوزن قربى، فالزلف: جمع زلفة، كظلم في ظلمة، والزلف بالسكون: نحو: بسرة وبسر، والزلف بضمتين نحو: بسر في بسر . والزلفي بمعنى: الزلفة، كما أن القربى بمعنى القربة: وهو ما يقرب من آخر النهار من الليل، وقيل: "وزلفا من الليل": وقربا من الليل، وحقها على هذا التفسير أن تعطف على الصلاة، أي: أقم الصلاة طرفي النهار، وأقم زلفا من الليل، على معنى: وأقم صلاة تتقرب بها إلى الله -عز وجل- في بعض الليل، إن الحسنات يذهبن السيئات : فيه وجهان، أحدهما: أن يراد تكفير الصغائر بالطاعات، وفي الحديث: "إن الصلاة إلى الصلاة كفارة ما بينهما ما اجتنبت الكبائر".
والثاني: "إن الحسنات يذهبن السيئات": بأن يكن لطفا في تركها، كقوله: اتل ما أوحي إليك من الكتاب [العنكبوت: 45]، وقيل: أبي اليسر عمرو ابن غزية الأنصاري كان يبيع التمر فأتته امرأة فأعجبته، فقال لها: إن في البيت أجود من هذا التمر، فذهب بها إلى بيته فضمها إلى نفسه وقبلها، فقالت له: اتق الله، فتركها وندم، فأتى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأخبره بما فعل، فقال -صلى الله عليه وسلم-: "أنتظر أمر ربي"، فلما صلى صلاة العصر نزلت، فقال: "نعم، اذهب; فإنها كفارة لما عملت، وروي أنه أتى فأخبره فقال: استر على نفسك وتب إلى الله، فأتى أبا بكر -رضي الله عنه- فقال له مثل ذلك، ثم أتى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فنزلت، فقال عمر : أهذا له خاصة أم للناس عامة ؟ فقال: بل [ ص: 244 ] للناس عامة، وروي أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال له: "توضأ وضوآ حسنا وصل ركعتين"، عمر نزلت في إن الحسنات يذهبن السيئات ، "ذلك": إشارة إلى قوله: "فاستقم" فما بعده: [ ص: 245 ] ذكرى للذاكرين : عظة للمتعظين .