وقال نسوة : وقال جماعة من النساء وكن خمسا: امرأة الساقي، وامرأة الخباز، وامرأة صاحب الدواب، وامرأة صاحب السجن، وامرأة الحاجب، والنسوة: اسم مفرد لجمع المرأة ، وتأنيثه غير حقيقي كتأنيث اللمة، ولذلك لم تلحق فعله تاء التأنيث، وفيه لغتان: كسر النون وضمها، في المدينة : في مصر، امرأت العزيز : يردن قطفير، والعزيز: الملك بلسان العرب، فتاها : غلامها، يقال: فتاي وفتاتي، أي: غلامي وجاريتي، شغفها : خرق حبه شغاف قلبها حتى وصل إلى الفؤاد، والشغاف: حجاب القلب، وقيل: جلدة رقيقة يقال لها: لسان القلب، قال [من الطويل]: النابغة
وقد حال هم دون ذلك والج ... مكان الشغاف تبتغيه الأصابع
[ ص: 276 ] وقرئ: "شعفها" بالعين، من شعف البعير إذا هنأه فأحرقه بالقطران، قال [من الطويل]:
................................ ... كما شعف المهنوءة الرجل الطالي
و "حبا": نصب على التمييز، لفي ضلال مبين : في خطأ وبعد عن طريق الصواب، بمكرهن : باغتيابهن وسوء قالتهن، وقولهن: امرأة العزيز عشقت عبدها الكنعاني ومقتها، وسمي الاغتياب مكرا; لأنه في خفية وحالي غيبة، كما يخفي الماكر مكره، وقيل: كانت استكتمتهن سرها فأفشينه عليها، أرسلت إليهن : دعتهن، قيل: دعت أربعين امرأة منهن الخمس المذكورات، وأعتدت لهن متكأ : ما يتكئن عليه من نمارق، قصدت بتلك الهيئة وهي قعودهن متكئات والسكاكين في أيديهن: أن يدهشن ويبهتن عند رؤيته، ويشغلن عن نفوسهن فتقع أيديهن على أيديهن فيقطعنها، لأن المتكئ إذا بهت لشيء وقعت يده على يده، ولا يبعد أن تقصد الجمع بين المكر به وبهن، فتضع الخناجر في أيديهن ليقطعن أيديهن، فتبكتهن بالحجة، ولتهول يوسف من مكرها إذا خرج على أربعين نسوة مجتمعات في أيديهن الخناجر، وتوهمه أنهن يثبن عليه، وقيل: متكأ: مجلس طعام; لأنهم كانوا يتكئون للطعام والشراب والحديث كعادة المترفين، ولذلك: "نهي أن يأكل الرجل متكئا"، وآتتهن السكاكين ليعالجن بها ما يأكلن، وقيل: "متكأ": [ ص: 277 ] طعاما، من قولك: اتكأنا عند فلان: طعمنا، على سبيل الكناية; لأن من دعوته ليطعم عندك، اتخذت له تكأة يتكئ عليها، قال [من الخفيف]: جميل
فظللنا بنعمة واتكأنا ... وشربنا الحلال من قلله
وعن : "متكأ": طعاما يحز حزا، كأن المعنى يعتمد بالسكين; لأن القاطع يتكئ على المقطوع بالسكين، وقرئ: "متكا" بغير همز، وعن مجاهد "متكاء" بالمد، كأنه مفتعال، وذلك لإشباع فتحة الكاف، كقوله [من الوافر]: الحسن:
.................................. ... .................. بمنتزاح
[ ص: 278 ] بمعنى: بمنتزح، ونحوه [من الكامل]:
ينباع.......... ... ............................
بمعنى: ينبع، وقرئ: "متكا": وهو الأترج، وأنشد [من الطويل]:
فأهدت متكة لبني أبيها ... تخب بها العثمثمة الوقاح
وكانت أهدت أترجة على ناقة، وكأنها الأترجة التي ذكرها في سننه أنها شقت بنصفين، وحملا كالعدلين على جمل، وقيل: الزماورد، وعن أبو داود : أترجا وموزا وبطيخا، وقيل: أعتدت لهن ما يقطع، من متك الشيء بمعنى: بتكه إذا قطعه، وقرأ وهب : "متكأ": مفعلا، من تكئ يتكأ، إذا اتكأ، الأعرج أكبرنه : أعظمنه، وهبن ذلك الحسن الرائع، والجمال الفائق، قيل: كان فضل يوسف على الناس في الحسن كفضل القمر ليلة البدر على نجوم السماء، وعن النبي -صلى الله عليه وسلم-: "مررت بيوسف الليلة التي عرج بي إلى السماء، فقلت لجبريل: من هذا ؟ فقال: يوسف فقيل: يا رسول الله كيف رأيته ؟ قال: كالقمر ليلة البدر".
وقيل: كان يوسف إذا سار في أزقة مصر يرى تلألؤ وجهه على الجدران، كما يرى نور الشمس من الماء عليها، وقيل: ما كان أحد يستطيع وصف يوسف، وقيل : كان يشبه آدم يوم خلقه ربه، وقيل: ورث الجمال من جدته سارة، وقيل: أكبرن بمعنى: حضن، والهاء: للسكت، يقال: أكبرت المرأة إذا حاضت، وحقيقته: دخلت في الكبر، لأنها بالحيض تخرج من حد الصغر إلى حد الكبر، وكأن أبا الطيب أخذ من هذا التفسير قوله [من الطويل]:
[ ص: 279 ]
خف الله واستر ذا الجمال ببرقع ... فإن لحت حاضت في الخدور العواتق
قطعن أيديهن : جرحنها، كما تقول: كنت أقطع اللحم فقطعت يدي، تريد: جرحتها، ( حاشا ) : كلمة تفيد معنى التنزيه في باب الاستثناء، تقول: أساء القوم حاشا زيد، قال [من الكامل]:
حاشا أبي ثوبان إن ..... ... .......................
.......................به ... ضنا عن الملحاة والشتم
وهي حرف من حروف الجر، فوضعت موضع التنزيه والبراءة، فمعنى "حاشا الله": براءة الله وتنزيه الله، وهي قراءة ، على إضافة حاشا إلى الله إضافة البراءة، ومن قرأ: "حاشا لله"، فنحو قولك: سقيا لك; كأنه قال: براءة، ثم قال: لله، لبيان من يبرأ وينزه، والدليل على تنزيل "حاشا": منزلة المصدر: قراءة ابن مسعود أبي السمال: "حاشا لله" بالتنوين، وقراءة : "حاش لله" بحذف الألف الآخرة، وقراءة أبي عمرو : " حشا لله" بحذف الألف الأولى، وقرئ: "حاش لله" بسكون الشين، على أن الفتحة تبعت الألف في الإسقاط، وهي: ضعيفة لما فيها من التقاء الساكنين على غير حده، وقرئ: "حاشا الإله". [ ص: 280 ] فإن قلت: فلم جاز في حاشا لله أن لا ينون بعد إجرائه مجرى: براءة لله ؟ الأعمش
قلت: مراعاة لأصله الذي هو الحرفية، ألا ترى إلى قولهم: جلست من عن يمينه، كيف :تركوا "عن" غير معرب على أصله ؟ وعلى قوله [من الطويل]:
غدت من عليه.... ... ..............................
منقلب الألف إلى الياء مع الضمير؟ والمعنى: تنزيه الله -تعالى- من صفات العجز، والتعجب من قدرته على خلق جميل مثله، وأما قوله: حاش لله ما علمنا عليه من سوء : فالتعجب من قدرته على خلق جميل مثله، ما هذا بشرا : نفين عنه البشرية لغرابة جماله ومباعدة حسنه، لما عليه محاسن الصور، وأثبتن له الملكية وبتتن بها الحكم، وذلك لأن الله -عز وجل- ركز في الطباع أن لا أحسن من الملك، كما ركز فيها أن لا أقبح من الشيطان، ولذلك يشبه كل متناه في الحسن والقبح بهما، وما ركز ذلك فيها إلا لأن الحقيقة كذلك، كما ركز في الطباع ألا أدخل في الشر من الشياطين، ولا أجمع للخير من الملائكة، إلا ما عليه الفئة الخاسئة المجبرة من تفضيل الإنسان على الملك، وما هو إلا من تعكيسهم للحقائق، وجحودهم للعلوم الضرورية، ومكابرتهم في كل باب، وإعمال "ما" عمل: "ليس" هي اللغة القدمى الحجازية، وبها ورد القرآن، ومنها قوله تعالى: ما هن أمهاتهم [المجادلة: 2]، ومن قرأ على سليقته من بني تميم، قرأ: "بشر" بالرفع، وهي في قراءة ، وقرئ: "ما هذا بشرى"، أي: ما هو بعبد مملوك لئيم، ابن مسعود إن هذا إلا ملك كريم : تقول: هذا بشرى، أي: حاصل بشرى، بمعنى: هذا [ ص: 281 ] بشرى، وتقول: هذا لك بشري أم بكري؟ والقراءة: هي الأولى، لموافقتها المصحف; ومطابقة بشر لملك، قالت فذلكن : ولم تقل: فهذا وهو حاضر، رفعا لمنزلته في الحسن، واستحقاق أن يحب ويفتتن به، وربئا بحاله واستبعادا لمحله، ويجوز أن يكون إشارة إلى المعنى بقولهن: عشقت عبدها الكنعاني، تقول: هو ذلك العبد الكنعاني الذي صورتن في أنفسكن، ثم لمتنني فيه، تعني: أنكن لم تصورنه بحق صورته، ولو صورتنه بما عاينتن لعذرتنني في الافتتان به، الاستعصام: بناء مبالغة يدل على الامتناع البليغ، والتحفظ الشديد، كأنه في عصمة، وهو يجتهد في الاستزادة منها، ونحوه: استمسك واستوسع الفتق، واستجمع الرأي، واستفحل الخطب; وهذا بيان لما كان من يوسف -عليه السلام- لا مزيد عليه، وبرهان لا شيء أنور منه، على أنه بريء مما أضاف إليه أهل الحشو مما فسروا به الهم والبرهان.
فإن قلت: الضمير في: "آمره": راجع إلى الموصول، أم إلى يوسف ؟
قلت: بل إلى الموصول، والمعنى: ما آمر به، فحذف الجار كما في قولك: أمرتك الخير، ويجوز أن تجعل "ما": مصدرية، فيرجع إلى يوسف، ومعناه: ولئن لم يفعل أمري إياه، أي: موجب أمري ومقتضاه، قرئ: "وليكونا" بالتشديد والتخفيف، والتخفيف أولى، لأن النون كتبت في المصحف ألفا على حكم الوقف، وذلك لا يكون إلا في الخفيفة.