ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك وأرنا مناسكنا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلو عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم إنك أنت العزيز الحكيم
ربنا واجعلنا مسلمين لك مخلصين لك، من أسلم وجهه، أو مستسلمين من أسلم إذا استسلم وانقاد، والمراد طلب الزيادة في الإخلاص والإذعان، أو الثبات عليه. وقرئ « مسلمين » على أن المراد أنفسهما وهاجر. أو أن التثنية من مراتب الجمع. ومن ذريتنا أمة مسلمة لك أي واجعل بعض ذريتنا، وإنما خصا الذرية بالدعاء لأنهم أحق بالشفقة، ولأنهم إذا صلحوا صلح بهم الأتباع، وخصا بعضهم لما أعلما أن في ذريتهما ظلمة، وعلما أن الحكمة الإلهية لا تقتضي الاتفاق على الإخلاص والإقبال الكلي على الله تعالى، فإنه مما يشوش المعاش، ولذلك قيل: لولا الحمقى لخربت الدنيا، وقيل: أراد بالأمة أمة محمد صلى الله عليه وسلم، ويجوز أن تكون من للتبيين كقوله تعالى: وعد الله الذين آمنوا منكم قدم على المبين وفصل به بين العاطف والمعطوف كما في قوله تعالى: خلق سبع سماوات ومن الأرض مثلهن . وأرنا من رأى بمعنى أبصر، أو عرف، ولذلك لم يتجاوز مفعولين مناسكنا متعبداتنا في الحج، أو مذابحنا. والنسك في الأصل غاية العبادة، وشاع في الحج لما فيه من الكلفة والبعد عن العادة. وقرأ ابن كثير عن والسوسي أبي عمرو « أرنا » ، قياسا على فخذ في فخذ، وفيه إجحاف لأن الكسرة منقولة من الهمزة الساقطة دليل عليها. وقرأ ويعقوب عن الدوري بالاختلاس أبي عمرو وتب علينا استتابة لذريتهما، أو عما فرط منهما سهوا. ولعلهما قالا هضما لأنفسهما وإرشادا لذريتهما إنك أنت التواب الرحيم لمن تاب.
ربنا وابعث فيهم في الأمة المسلمة رسولا منهم ولم يبعث من ذريتهما غير محمد صلى الله عليه وسلم، فهو المجاب به دعوتهما كما قال عليه الصلاة والسلام « إبراهيم، وبشرى عيسى، ورؤيا أمي » . أنا دعوة أبي يتلو عليهم آياتك يقرأ عليهم ويبلغهم ما توحي إليه من دلائل التوحيد والنبوة. ويعلمهم الكتاب القرآن.
والحكمة ما تكمل به نفوسهم من المعارف والأحكام. ويزكيهم عن الشرك والمعاصي إنك أنت العزيز الذي لا يقهر ولا يغلب على ما يريد الحكيم المحكم له.