وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله إلا أن يصدقوا فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين توبة من الله وكان الله عليما حكيما
92 - وما كان لمؤمن وما صح له، ولا استقام ولا لاق بحاله، أن يقتل مؤمنا ابتداء من غير قصاص، أي: ليس المؤمن كالكافر الذي تقدم إباحة دمه، إلا خطأ إلا على وجه الخطأ، وهو استثناء منقطع بمعنى: [ ص: 384 ] لكن، أي: لكن إن وقع خطأ، ويحتمل أن يكون صفة للمصدر، أي: إلا قتلا خطأ، والمعنى: بأن يرمي كافرا، فيصيب مسلما، أو يرمي شخصا على أنه كافر، فإذا هو مسلم. من شأن المؤمن أن ينتفي عنه وجوده قتل المؤمن ابتداء البتة، إلا إذا وجد منه خطأ من غير قصد ومن قتل مؤمنا خطأ صفة مصدر محذوف، أي: قتلا خطأ. فتحرير رقبة مبتدأ، والخبر محذوف، أي: فعليه تحرير رقبة، والتحرير: الإعتاق، والحر والعتيق: الكريم; لأن الكرم في الأحرار، كما أن اللؤم في العبيد، ومنه عتاق الطير، وعتاق الخيل لكرامها. والرقبة: النسمة، ويعبر عنها بالرأس في قولهم: فلان يملك كذا رأسا من الرقيق. مؤمنة قيل: لما أخرج نفسا مؤمنة من جملة الأحياء، لزمه أن يدخل نفسا مثلها في جملة الأحرار; لأن إطلاقها من قيد الرق كإحيائها، من قبل أن الرقيق ملحق بالأموات، إذ الرق أثر من آثار الكفر، والكفر موت حكما. أومن كان ميتا فأحييناه [الأنعام: 122] ولهذا منع من تصرف الأحرار، وهذا مشكل، إذ لو كان كذلك لوجب في العمد أيضا، لكن يحتمل أن يقال: إنما وجب عليه ذلك; لأن الله تعالى أبقى للقاتل نفسا مؤمنة، حيث لم يوجب القصاص، فأوجب عليه مثلها رقبة مؤمنة. ودية مسلمة إلى أهله مؤداة إلى ورثته يقتسمونها، كما يقتسمون الميراث، لا فرق بينها وبين سائر التركة في كل شيء، فيقضي منها الدين، وتنفذ الوصية، وإذا لم يبق وارث فهي لبيت المال، وقد ورث رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة أشيم الضبابي من عقل زوجها أشيم، لكن الدية على العاقلة، والكفارة على القاتل. إلا أن يصدقوا إلا أن يتصدقوا عليه بالدية، أي: يعفوا عنه، والتقدير: فعليه دية في كل حال، إلا في حال التصدق عليه بها فإن كان من قوم عدو لكم فإن أي: كفرة، فالعدو يطلق على الجميع كان المقتول خطأ من قوم أعداء لكم، وهو مؤمن أي: المقتول مؤمن. فتحرير رقبة مؤمنة يعني: إذا تجب [ ص: 385 ] الكفارة بقتله للعصمة المؤثمة، وهي الإسلام، ولا تجب الدية; لأن العصمة المقومة بالدار، ولم توجد أسلم الحربي في دار الحرب، ولم يهاجر إلينا، فقتله مسلم خطأ، وإن كان أي: المقتول، من قوم بينكم بين المسلمين. وبينهم ميثاق عهد فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة أي: وإن كان المقتول ذميا فحكمه حكم المسلم، وفيه دليل على أن كدية المسلم، وهو قولنا دية الذمي فمن لم يجد رقبة، أي: لم يملكها، ولا ما يتوصل به إليها. فصيام شهرين فعليه صيام شهرين متتابعين توبة من الله قبولا من الله، ورحمة منه، من تاب الله عليه إذا قبل توبته، يعني: شرع ذلك توبة منه، أو فليتب توبة، فهي نصب على المصدر وكان الله عليما بما أمر حكيما فيما قدر.