[ ص: 51 ] باب في تفسير nindex.php?page=treesubj&link=28867أسماء القرآن وذكر السورة والآية

هو القرآن، وهو الكتاب، وهو الفرقان، وهو الذكر، فالقرآن مصدر من قولك: قرأ الرجل إذا تلا يقرأ قرآنا وقراءة، وحكى nindex.php?page=showalam&ids=1282أبو زيد الأنصاري: وقرءا. وقال nindex.php?page=showalam&ids=16815قتادة: «القرآن معناه التأليف؛ قرأ الرجل إذا جمع وألف قولا» وبهذا فسر nindex.php?page=showalam&ids=16815قتادة قول الله تعالى: nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=17إن علينا جمعه وقرآنه . [القيامة: 17] أي تأليفه، وهذا نحو قول الشاعر عمرو بن كلثوم: [الوافر]

ذراعي بكرة أدماء بكر هجان اللون لم تقرأ جنينا

أي لم تجمع في بطنها ولدا فهو أفره لها، والقول الأول أقوى؛ أي: القرآن مصدر من قرأ إذا تلا.

[ ص: 52 ] ومنه قول nindex.php?page=showalam&ids=144حسان بن ثابت يرثي nindex.php?page=showalam&ids=7عثمان بن عفان رضي الله عنه: [البسيط]

ضحوا بأشمط عنوان السجود به     يقطع الليل تسبيحا وقرآنا

أي: قراءة.

وأما الكتاب فهو مصدر من كتب إذا جمع. ومنه قيل: كتيبة لاجتماعها. ومنه قول الشاعر:

اكتبها بأسيار

أي اجمعها.

وأما الفرقان أيضا فهو مصدر؛ لأنه فرق بين الحق والباطل، والمؤمن والكافر، فرقا وفرقانا.

وأما الذكر فسمي به لأنه ذكر به الناس آخرتهم وإلههم وما كانوا في غفلة عنه فهو ذكر لهم، وقيل: سمي بذلك لأنه فيه ذكر الأمم الماضية والأنبياء، وقيل: سمي بذلك؛ لأنه ذكر وشرف لمحمد صلى الله عليه وسلم وقومه وسائر العلماء به.

وأما السورة؛ فإن قريشا كلها ومن جاورها من قبائل العرب كهذيل، وسعد بن بكر، وكنانة، يقولون:

سورة بغير همز، وتميم كلها وغيرهم أيضا يهمزون فيقولون: سؤر وسؤرة.

فأما من همز فهي عنده كالبقية من الشيء والقطعة منه التي هي سؤر وسؤرة من أسأر إذا أبقى. ومنه: «سؤر الشراب» ومنه قول الأعشى -وهو ميمون بن قيس-: [المتقارب]

[ ص: 53 ]

فبانت وقد أسأرت في الفؤا     د صدعا على نأيها مستطيرا

أي: أبقت فيه.

وأما من لا يهمز فمنهم من يراها من المعنى المتقدم إلا أنها سهلت همزتها. ومنهم من يراها مشبهة بسورة البناء أي القطعة منه؛ لأن كل بناء فإنما يبنى قطعة بعد قطعة، وكل قطعة منها سورة، وجمع سورة القرآن سور بفتح الواو، وجمع سورة البناء سور بسكونها.

قال nindex.php?page=showalam&ids=12078أبو عبيدة: «إنما اختلفا في هذا فكأن سور القرآن هي قطعة بعد قطعة حتى كمل منها القرآن».

ويقال أيضا للرتبة الرفيعة من المجد والملك سورة. ومنه قول nindex.php?page=showalam&ids=8572النابغة الذبياني للنعمان بن المنذر: [الطويل]

ألم تر أن الله أعطاك سورة     ترى كل ملك دونها يتذبذب

فكأن الرتبة انبنت حتى كملت.

وأما الآية فهي العلامة في كلام العرب. ومنه قول الأسير الموصي إلى قومه باللغز: «بآية ما أكلت معكم حيسا».

فلما كانت الجملة التامة من القرآن علامة على صدق الآتي بها وعلى عجز المتحدى بها سميت آية. هذا قول بعضهم، وقيل: سميت آية لما كانت جملة وجماعة كلام كما تقول العرب: «جئنا بآيتنا» أي: بجماعتنا. وقيل: لما كانت علامة للفصل بين ما قبلها وما بعدها سميت آية. ووزن آية عند nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه [ ص: 54 ] فعلة بفتح العين أصلها أيية تحركت الياء الأولى وما قبلها مفتوح فجاءت آية.

وقال nindex.php?page=showalam&ids=15080الكسائي: «أصل آية آيية على وزن فاعلة، حذفت الياء الأولى مخافة أن يلتزم فيها من الإدغام ما لزم في دابة».

وقال nindex.php?page=showalam&ids=17141مكي في تعليل هذا الوجه: «سكنت الأولى وأدغمت فجاءت آية على وزن دابة، ثم سهلت الياء المثقلة»، وقيل: أصلها أية على وزن فعلة بسكون العين، أبدلت الياء الساكنة ألفا استثقالا للتضعيف، قاله الفراء، وحكاه nindex.php?page=showalam&ids=12095أبو علي عن nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه في ترجمة: nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=146وكأين من نبي [آل عمران: 146].

وقال بعض الكوفيين: «أصلها أيية على وزن فعلة بكسر العين أبدلت الياء الأولى ألفا لثقل الكسر عليها وانفتاح ما قبلها».

[ ص: 51 ] بَابٌ فِي تَفْسِيرِ nindex.php?page=treesubj&link=28867أَسْمَاءِ الْقُرْآنِ وَذِكْرِ السُّورَةِ وَالْآيَةِ

هُوَ الْقُرْآنُ، وَهُوَ الْكِتَابُ، وَهُوَ الْفُرْقَانُ، وَهُوَ الذِّكْرُ، فَالْقُرْآنُ مَصْدَرٌ مِنْ قَوْلِكَ: قَرَأَ الرَّجُلُ إِذَا تَلَا يَقْرَأُ قُرْآنًا وَقِرَاءَةً، وَحَكَى nindex.php?page=showalam&ids=1282أَبُو زَيْدٍ الْأَنْصَارِيُّ: وَقُرْءًا. وَقَالَ nindex.php?page=showalam&ids=16815قَتَادَةُ: «الْقُرْآنُ مَعْنَاهُ التَّأْلِيفُ؛ قَرَأَ الرَّجُلُ إِذَا جَمَعَ وَأَلَّفَ قَوْلًا» وَبِهَذَا فَسَّرَ nindex.php?page=showalam&ids=16815قَتَادَةُ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى: nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=17إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ . [الْقِيَامَةِ: 17] أَيْ تَأْلِيفَهُ، وَهَذَا نَحْوَ قَوْلِ الشَّاعِرِ عَمْرِو بْنِ كُلْثُومٍ: [الْوَافِرِ]

ذِرَاعَيْ بَكْرَةٍ أَدْمَاءَ بَكْرٍ هِجَانِ اللَّوْنِ لَمْ تَقْرَأْ جَنِينَا

أَيْ لَمْ تَجْمَعْ فِي بَطْنِهَا وَلَدًا فَهُوَ أَفْرَهُ لَهَا، وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَقْوَى؛ أَيْ: الْقُرْآنُ مَصْدَرٌ مِنْ قَرَأَ إِذَا تَلَا.

[ ص: 52 ] وَمِنْهُ قَوْلُ nindex.php?page=showalam&ids=144حَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ يَرْثِي nindex.php?page=showalam&ids=7عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: [الْبَسِيطِ]

ضَحَّوْا بِأَشْمَطَ عُنْوَانُ السُّجُودِ بِهِ     يُقَطِّعُ اللَّيْلَ تَسْبِيحًا وَقُرْآنَا

أَيْ: قِرَاءَةً.

وَأَمَّا الْكِتَابِ فَهُوَ مَصْدَرٌ مِنْ كَتَبَ إِذَا جَمَعَ. وَمِنْهُ قِيلُ: كَتِيبَةٌ لِاجْتِمَاعِهَا. وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:

اكْتُبْهَا بِأَسْيَارِ

أَيِ اجْمَعْهَا.

وَأَمَّا الْفُرْقَانُ أَيْضًا فَهُوَ مَصْدَرٌ؛ لِأَنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ، وَالْمُؤْمِنِ وَالْكَافِرِ، فَرْقًا وَفُرْقَانًا.

وَأَمَّا الذِّكْرُ فَسُمِّيَ بِهِ لِأَنَّهُ ذَكَرَ بِهِ النَّاسُ آخِرَتَهُمْ وَإِلَهَهُمْ وَمَا كَانُوا فِي غَفْلَةٍ عَنْهُ فَهُوَ ذِكْرٌ لَهُمْ، وَقِيلَ: سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ فِيهِ ذِكْرُ الْأُمَمِ الْمَاضِيَةِ وَالْأَنْبِيَاءِ، وَقِيلَ: سُمِّيَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ ذِكْرٌ وَشَرَفٌ لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَوْمِهِ وَسَائِرِ الْعُلَمَاءِ بِهِ.

وَأَمَّا السُّورَةُ؛ فَإِنَّ قُرَيْشًا كُلَّهَا وَمَنْ جَاوَرَهَا مِنْ قَبَائِلِ الْعَرَبِ كَهُذَيْلٍ، وَسَعْدِ بْنِ بَكْرٍ، وَكِنَانَةَ، يَقُولُونَ:

سُورَةٌ بِغَيْرِ هَمْزٍ، وَتَمِيمٌ كُلُّهَا وَغَيْرُهُمْ أَيْضًا يَهْمِزُونَ فَيَقُولُونَ: سُؤْرٌ وَسُؤْرَةٌ.

فَأَمَّا مَنْ هَمَزَ فَهِيَ عِنْدَهُ كَالْبَقِيَّةِ مِنَ الشَّيْءِ وَالْقِطْعَةِ مِنْهُ الَّتِي هِيَ سُؤْرٌ وَسُؤْرَةٌ مِنْ أَسْأَرَ إِذَا أَبْقَى. وَمِنْهُ: «سُؤْرُ الشَّرَابِ» وَمِنْهُ قَوْلُ الْأَعْشَى -وَهُوَ مَيْمُونُ بْنُ قَيْسٍ-: [الْمُتَقَارِبِ]

[ ص: 53 ]

فَبَانَتْ وَقَدْ أَسْأَرَتْ فِي الْفُؤَا     دِ صَدْعًا عَلَى نَأْيِهَا مُسْتَطِيرَا

أَيْ: أَبْقَتْ فِيهِ.

وَأَمَّا مَنْ لَا يَهْمِزُ فَمِنْهُمْ مَنْ يَرَاهَا مِنَ الْمَعْنَى الْمُتَقَدِّمِ إِلَّا أَنَّهَا سُهِّلَتْ هَمْزَتُهَا. وَمِنْهُمْ مَنْ يَرَاهَا مُشَبَّهَةً بِسُورَةِ الْبِنَاءِ أَيِ الْقِطْعَةِ مِنْهُ؛ لِأَنَّ كُلَّ بِنَاءٍ فَإِنَّمَا يُبْنَى قِطْعَةً بَعْدَ قِطْعَةٍ، وَكُلُّ قِطْعَةٍ مِنْهَا سُورَةٌ، وَجَمْعُ سُورَةِ الْقُرْآنِ سُوَرٌ بِفَتْحِ الْوَاوِ، وَجَمْعُ سُورَةِ الْبِنَاءِ سُورٌ بِسُكُونِهَا.

قَالَ nindex.php?page=showalam&ids=12078أَبُو عُبَيْدَةَ: «إِنَّمَا اخْتَلَفَا فِي هَذَا فَكَأَنَّ سُوَرَ الْقُرْآنِ هِيَ قِطْعَةٌ بَعْدَ قِطْعَةٍ حَتَّى كَمُلَ مِنْهَا الْقُرْآنُ».

وَيُقَالُ أَيْضًا لِلرُّتْبَةِ الرَّفِيعَةِ مِنَ الْمَجْدِ وَالْمُلْكِ سُورَةٌ. وَمِنْهُ قَوْلُ nindex.php?page=showalam&ids=8572النَّابِغَةِ الذُّبْيَانِيِّ لِلنُّعْمَانِ بْنِ الْمُنْذِرِ: [الطَّوِيلِ]

أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَعْطَاكَ سُورَةً     تَرَى كُلَّ مَلْكٍ دُونَهَا يَتَذَبْذَبُ

فَكَأَنَّ الرُّتْبَةَ انْبَنَتْ حَتَّى كَمُلَتْ.

وَأَمَّا الْآيَةُ فَهِيَ الْعَلَامَةُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ. وَمِنْهُ قَوْلُ الْأَسِيرِ الْمُوصِي إِلَى قَوْمِهِ بِاللُّغْزِ: «بِآيَةِ مَا أَكَلْتُ مَعَكُمْ حَيْسًا».

فَلَمَّا كَانَتِ الْجُمْلَةُ التَّامَّةُ مِنَ الْقُرْآنِ عَلَامَةً عَلَى صِدْقِ الْآتِي بِهَا وَعَلَى عَجْزِ الْمُتَحَدَّى بِهَا سُمِّيَتْ آيَةً. هَذَا قَوْلُ بَعْضِهِمْ، وَقِيلَ: سُمِّيَتْ آيَةً لَمَّا كَانَتْ جُمْلَةَ وَجَمَاعَةَ كَلَامٍ كَمَا تَقُولُ الْعَرَبُ: «جِئْنَا بِآيَتِنَا» أَيْ: بِجَمَاعَتِنَا. وَقِيلَ: لَمَّا كَانَتْ عَلَامَةً لِلْفَصْلِ بَيْنَ مَا قَبْلَهَا وَمَا بَعْدَهَا سُمِّيَتْ آيَةً. وَوَزْنُ آيَةٍ عِنْدَ nindex.php?page=showalam&ids=16076سِيبَوَيْهِ [ ص: 54 ] فَعْلَةٌ بِفَتْحِ الْعَيْنِ أَصْلُهَا أَيْيَةٌ تَحَرَّكَتِ الْيَاءُ الْأُولَى وَمَا قَبْلَهَا مَفْتُوحٌ فَجَاءَتْ آيَةً.

وَقَالَ nindex.php?page=showalam&ids=15080الْكِسَائِيُّ: «أَصْلُ آيَةٍ آيْيَةٌ عَلَى وَزْنِ فَاعِلَةٍ، حُذِفَتِ الْيَاءُ الْأُولَى مَخَافَةَ أَنْ يُلْتَزَمَ فِيهَا مِنَ الْإِدْغَامِ مَا لَزِمَ فِي دَابَّةٍ».

وَقَالَ nindex.php?page=showalam&ids=17141مَكِّيٌّ فِي تَعْلِيلِ هَذَا الْوَجْهِ: «سَكَنَتِ الْأُولَى وَأُدْغِمَتْ فَجَاءَتْ آيَةً عَلَى وَزْنِ دَابَّةٍ، ثُمَّ سُهِّلَتِ الْيَاءُ الْمُثْقَلَةُ»، وَقِيلَ: أَصْلُهَا أَيَّةٌ عَلَى وَزْنِ فَعْلَةٍ بِسُكُونِ الْعَيْنِ، أُبْدِلَتِ الْيَاءُ السَّاكِنَةُ أَلِفًا اسْتِثْقَالًا لِلتَّضْعِيفِ، قَالَهُ الْفَرَّاءُ، وَحَكَاهُ nindex.php?page=showalam&ids=12095أَبُو عَلِيٍّ عَنْ nindex.php?page=showalam&ids=16076سِيبَوَيْهِ فِي تَرْجَمَةِ: nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=146وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ [آلِ عِمْرَانَ: 146].

وَقَالَ بَعْضُ الْكُوفِيِّينَ: «أَصْلُهَا أَيْيَةٌ عَلَى وَزْنِ فِعْلَةٍ بِكَسْرِ الْعَيْنِ أُبْدِلَتِ الْيَاءُ الْأُولَى أَلِفًا لِثِقَلِ الْكَسْرِ عَلَيْهَا وَانْفِتَاحِ مَا قَبْلَهَا».