قوله عز وجل:
وهو الذي أنشأ لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلا ما تشكرون وهو الذي ذرأكم في الأرض وإليه تحشرون وهو الذي يحيي ويميت وله اختلاف الليل والنهار أفلا تعقلون بل قالوا مثل [ ص: 315 ] ما قال الأولون قالوا أإذا متنا وكنا ترابا وعظاما أإنا لمبعوثون لقد وعدنا نحن وآباؤنا هذا من قبل إن هذا إلا أساطير الأولين
ابتدأ تعالى بتعديد نعم في نفس تعديدها استدلال بها على عظيم قدرته، وأنها لا يعزب عنها أمر البعث ولا يعظم.
و "أنشأ" بمعنى اخترع، و "السمع" مصدر، فلذلك وحد، وقيل: أراد الجنس، و "الأفئدة": القلوب، وهذه إشارة إلى النطق والعقل، وقوله تعالى: "قليلا" نعت لمصدر محذوف تقديره: شكرا قليلا ما تشكرون، وذهبت فرقة إلى أنه أراد: قليلا منكم من يشكر، أي يؤمن ويشكر حق الشكر.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله :
والأول أظهر.
و "ذرأ" معناه: بث وخلق، وقوله تعالى: وإليه تحشرون فيه حذف مضاف، أي: إلى حكمه وقضائه، و "تحشرون" يريد آية البعث.
وقوله تعالى: وله اختلاف الليل والنهار أي: له القدرة التي عنها ذلك. و "الاختلاف" هنا التعاقب والكون خلفة، ويحتمل أن يكون الذي هو المغايرة البينة.
وقوله تعالى: "بل" إضراب، والجحد قبله مقدر، كأنه قال: ليس لهم نظر في هذه الآيات، أو نحو هذا، و "الأولون" يشير به إلى الأمم الكافرة كعاد وثمود ، وقوله تعالى: "لمبعوثون" أي لمعادون أحياء، وقولهم: "وآباؤنا" إن حكى المقالة عن العرب فمرادهم من سلف من العالم، جعلوهم آباء من حيث النوع واحد، وإن حكى ذلك عن الأولين فالأمر مستقيم فيهم، و "الأساطير" قيل: هي جمع أسطورة كأعجوبة وأعاجيب وأحدوثة وأحاديث، وقيل: هي جمع جمع، يقال: سطر وأسطار وأساطير.