قوله عز وجل:
قل رب إما تريني ما يوعدون رب فلا تجعلني في القوم الظالمين وإنا على أن نريك ما نعدهم لقادرون ادفع بالتي هي أحسن السيئة نحن أعلم بما يصفون وقل رب أعوذ بك من همزات الشياطين وأعوذ بك رب أن يحضرون
أمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم أن يدعو لنفسه بالنجاة من عذاب الظلمة إن كان قضي أن يرى ذلك، و "إن" شرط و "ما" زائدة، و "تريني" جزم بالشرط لزمت النون الثقيلة، وهي لا تفارق "إما" عند ، ويجوز عن المبرد أن تفارق فيقال: "إما تريني"، لكن استعمال القرآن لزومها فمن هنالك التزمه سيبويه . المبرد
وهذا الدعاء فيه استصحاب الخشية والتحذير من الأمر المعذب من أجله، ثم نظيره لسائر الأمة دعاء في جودة الخاتمة. وفي هذه الآية بجملتها إعلام بقرب العذاب منهم كما كان في يوم بدر . وقوله ثانيا: "رب" اعتراض بين الشرط وجوابه.
وفي قوله تعالى: ادفع بالتي هي أحسن السيئة الآية أمر بالصفح ومكارم الأخلاق، وما كان منها لهذا فهو حكم باق في الأمة أبدا، وما فيها من معنى موادعة الكفار وترك التعرض لهم والصفح عن أمورهم فمنسوخ بالقتال، وقوله تعالى: نحن أعلم بما يصفون يقتضي أنها آية موادعة. وقال : الدفع بالتي هي [ ص: 319 ] أحسن هو السلام، يسلم عليه إذا لقيه، وقال مجاهد : والله لا يصيبها أحد حتى يكظم غيظه ويصفح عما يكره. الحسن
قال القاضي أبو محمد رحمه الله :
هذان الطرفان، وفي هذه الآية عدة للنبي صلى الله عليه وسلم، أي: اشتغل أنت بهذا وكل تعذيبهم والنقمة منهم إلينا، وأمره بالتعوذ من الشيطان في همزاته، وهي سورات الغضب التي لا يملك الإنسان فيها نفسه، وكأنها هي التي كانت تصيب المؤمنين مع الكفار فتقع المحادة، فلذلك اتصلت بهذه الآية، وقال : همز الشيطان: الجنون. ابن زيد
قال القاضي أبو محمد رحمه الله :
وفي مصنف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أبي داود ، قال اللهم إني أعوذ بك من الشيطان همزه ونفخه ونفثه : وهمزة الموتة وهي الجنون، ونفخه الكبر، ونفثه السحر. أبو داود
قال القاضي أبو محمد رحمه الله :
والنزعات وسورات الغضب من الشيطان، وهي المتعوذ منها في الآية، والتعوذ من الجنون أيضا وكيد، وفي قراءة : "رب عائذا بك من همزات الشياطين، وعائذا بك رب أن يحضرون". وقوله: أبي بن كعب أن يحضرون معناه: أن يكونوا معي في أموري، فإنهم إذا حضروا الإنسان كانوا معدين للهمز، فإذا لم يكن حضور فلا همز.
[ ص: 320 ] قال القاضي أبو محمد رحمه الله :
وأصل الهمز الدفع والوخز بيد وغيرها، ومنه همز الخيل وهمز الناس باللسان، وقيل لبعض العرب : أتهمز الفأرة؟ سئل بذلك عن اللفظة فظن أن المراد شخص الفأرة فقال: الهر يهمزها.