كذبت عاد المرسلين إذ قال لهم أخوهم هود ألا تتقون إني لكم رسول أمين فاتقوا الله وأطيعون وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين أتبنون بكل ريع آية تعبثون وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون وإذا بطشتم بطشتم جبارين فاتقوا الله وأطيعون واتقوا الذي أمدكم بما تعلمون أمدكم بأنعام وبنين وجنات وعيون إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم قالوا سواء علينا أوعظت أم لم تكن من الواعظين إن هذا إلا خلق الأولين وما نحن بمعذبين فكذبوه فأهلكناهم إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين وإن ربك لهو العزيز الرحيم
عاد : قبيلة، وانصرف للخفة، وقيل: هو اسم أبيهم. وخاطبهم هود عليه السلام [ ص: 497 ] بمثل مخاطبة سائر الرسل، ثم كلمهم فيما انفردوا به من الأفعال التي اقتضتها أعمالهم، فقال: " أتبنون على جهة التوبيخ، "والريع": المرتفع من الأرض، ومنه قول المسيب ابن علس يصف طريقا:
في الآل يخفضها ويرفعها ريع يلوح كأنه سحل
والسحل: الثوب الأبيض.
ومنه قول : ذي الرمة
طراق الخوافي مشرق فوق ريعة ندى ليله في ريشه يترقرق
ومنه قول الأعشى :
ويهماء قفر تجاوزتها إذا خب في ريعها آلها
ويقال: "ريع" بكسر الراء، ويقال: "ريع" بفتحها، وبها قرأ ، وعبر بعض المفسرين عن "الريع" بالطريق، وبعضهم بالفج، وبعضهم بالثنية الصغيرة. ابن أبي عبلة
قال القاضي أبو محمد رحمه الله :
وجملة ذلك أنه المكان المشرق، وهو الذي يتنافس الناس في هيآته. و "الآية": [ ص: 498 ] البنيان، قال رضي الله عنهما: إنه علم، قال ابن عباس : أبراج الحمام، قال مجاهد وغيره: القصور الطوال، و "المصانع": جمع مصنع، وهو ما أصنع وأتقن في بنائه من قصر مشيد ونحوه، وقال النقاش : هي مآخذ للماء، وقوله: قتادة لعلكم تخلدون ، إما أن يريد: على أملكم ورجائكم، وإما أن يريد الاستفهام على معنى التوبيخ والهزء بهم، وقرأ الجمهور : "تخلدون" بفتح التاء وضم اللام، وقرأ : "تخلدون" بضم التاء وفتح اللام، يقال: خلد الشيء، وأخلده غيره، وقرأ قتادة أبي : "لعلكم تخلدون" بضم التاء وفتح الخاء وفتح اللام وشدها، وروي عن وعلقمة : "كأنكم تخلدون"، وروي عن أبي رضي الله عنهما: "كأنكم تخلدون". ابن عباس
و "البطش": الأخذ بقوة وسرعة، و "الجبار": المتكبر، ومنه قولهم: "نخلة جبارة" إذا كانت لا تدرك علوا، ومنه قوله عليه الصلاة والسلام في المرأة التي أبت أن تنحى عن طريقه: "إنها جبارة ، ومنه الجبروت، فالمعنى: إنكم كفار الغضب، لكم السطوات المفرطة، والبوادر من غير تثبت.
ثم ذكرهم عليه السلام بأيادي الله تعالى قبلهم فيما منحهم من الأنعام والذرية والجنات والمياه المطردة فيها، ثم خوفهم عذاب الله تعالى في الدنيا، وكانت مراجعتهم أن سووا بين وعظه وتركه الوعظ. وقرأ ابن محيصن : "وعظت" بإدغام الظاء في التاء. ثم قالوا: إن هذا إلا خلق الأولين ، واختلف القراء في ذلك، فقرأ ، نافع ، وعاصم ، وحمزة ، والكسائي : "خلق" بضم اللام، فالإشارة بـ "هذا" إلى دينهم وعبادتهم وتصرفهم في المصانع، أي: هذا الذي نحن عليه خلق الناس وعادتهم، وما بعد ذلك بعث ولا تعذيب كما تزعم أنت. وقرأ وابن عامر ، ابن كثير ، وأبو عمرو ، وحمزة ، والكسائي "خلق" بضم الخاء وسكون اللام، ورواه وأبو قلابة عن الأصمعي ، وقرأ نافع ، أبو جعفر : "خلق الأولين" بفتح الخاء وسكون اللام، وهي [ ص: 499 ] قراءة وأبو عمرو ، ابن مسعود ، وعلقمة ، وهذا يحتمل وجهين: أحدهما: وما هذا الذي تزعمه إلا اختلاق الأولين من الكذبة قبلك، فأنت على منهاجهم. والثاني أن يريدوا: وما هذه البنية التي نحن عليها إلا البنية التي عليها الأولون، حياة وموت، وما ثم بعث ولا تعذيب، وكل معنى مما ذكرته تحتمله قراءة "خلق". وروى والحسن عن علقمة : "إلا اختلاق الأولين"، وباقي الآية قد مضى تفسيره. ابن مسعود