قوله عز وجل:
كذلك سلكناه في قلوب المجرمين لا يؤمنون به حتى يروا العذاب الأليم فيأتيهم بغتة وهم لا يشعرون فيقولوا هل نحن منظرون أفبعذابنا يستعجلون أفرأيت إن متعناهم سنين ثم جاءهم ما كانوا يوعدون ما أغنى عنهم ما كانوا يمتعون وما أهلكنا من قرية إلا لها منذرون ذكرى وما كنا ظالمين
الإشارة بـ "ذلك" إلى ما يتحصل لسامع الآيات المتقدمة من الحتم عليهم بأنهم لا يؤمنون، وهي قوله تعالى: ولو نزلناه على بعض الأعجمين الآية. و "سلكناه" معناه: أدخلناه، والضمير فيه للكفر الذي يتضمنه قوله: ما كانوا به مؤمنين ، قاله . قال الحسن : لا وجه لهذا إلا أنه لم يجر ذكره، وإنما الضمير للقرآن وإخطاره بالبال، وحكى الرماني أن الضمير للتكذيب المفهوم، وحكاه الزهراوي ، وقرأ الثعلبي : "كذلك جعلناه في قلوب"، وروي عنه "نجعله". و "المجرمون" أراد به مجرمي كل أمة، أي أن هذه عادة الله تبارك وتعالى فيهم أنهم لا يؤمنون حتى يروا العذاب، فلا ينفعهم الإيمان بعد تلبس العذاب بهم، وهذا على جهة المثال ابن مسعود لقريش ، أي: هؤلاء كذلك. وكشف الغيب ما تضمنته هذه الآية يوم بدر .
وقرأ الجمهور : "فيأتيهم" بالياء، أي: العذاب، وقرأ : "فتأتيهم" بالتاء من فوق، يعني الساعة، وفي قراءة الحسن : "فيروه بغتة"، ومن قول كل أمة معذبة: أبي بن كعب هل نحن منظرون أي مؤخرون، وهذا على جهة التمني منهم والرغبة حيث لا تنفع الرغبة.
[ ص: 508 ] ثم رجع لفظ الآية إلى توبيخ قريش على استعجالهم عذاب الله تعالى في طلبهم سقوط السماء كسفا وغير ذلك، وقولهم لمحمد صلى الله عليه وسلم: أين ما تعدنا؟ أي:إنه لا ينبغي لهم ذلك لأن عذابنا بالمرصاد إذا حان حينه. ثم خاطب محمدا صلى الله عليه وسلم بإقامة الحجة عليهم في أن مدة الإرجاء والإمهال والإملاء لا يعني منع نزول العذاب بعدها، ووقوع النقمة، وذلك في قوله: "أفرأيت" الآية، قال : "سنين" يريد: عمر الدنيا، عكرمة ولأبي جعفر المنصور قصة في هذه الآية.
ثم أخبر تبارك وتعالى أنه لم يهلك قرية من القرى إلا بعد إرسال من ينذرهم عذاب الله تعالى ذكرى لهم وتبصرة وإقامة حجة; لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل و "ذكرى" عند نصب على الحال، ويصح أن يكون في نصب على المصدر، وهو قول الكسائي ، ويصح أن يكون في موضع رفع على خبر الابتداء، تقديره: ذلك ذكرى، ثم نفى عن جهته عز وجل الظلم; إذ هو مما لا يليق به. الزجاج