[ ص: 515 ] بسم الله الرحمن الرحيم
تفسير سورة النمل
قوله عز وجل:
طس تلك آيات القرآن وكتاب مبين هدى وبشرى للمؤمنين الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم يوقنون إن الذين لا يؤمنون بالآخرة زينا لهم أعمالهم فهم يعمهون أولئك الذين لهم سوء العذاب وهم في الآخرة هم الأخسرون
تقدم القول في الحروف المقطعة في كل السور، وكل ما قيل مترتب هنا، وعلى القول بأنها حروف من أسماء الله تبارك وتعالى فالأسماء هنا: لطيف وسميع، وكونها إشارة إلى نوع حروف المعجم أبين الأقوال. وعطف "كتاب" على "القرآن" وهما لمسمى واحد من حيث هما صفتان لمعنيين، فالقرآن لأنه اجتمع، والكتاب لأنه كتب، وقرأ : "وكتاب مبين" بالرفع، وقوله: ابن أبي عبلة هدى وبشرى يحتمل أن يكون في موضع نصب على المصدر، ويحتمل أن يكون في موضع رفع على خبر ابتداء مضمر، تقديره: ذلك هدى وبشرى.
ثم وصف تعالى المؤمنين بالأوصاف الخليقة بهم. وإقامة الصلاة: إدامتها على وجهها. و "الزكاة" هنا يحتمل أن تكون غير المفروضة لأن السورة مكية قديمة، ويحتمل أن تكون المفروضة من غير تفسير، وقيل: "الزكاة" هنا بمعنى الطهارة من النقائص وملازمة مكارم الأخلاق. وتكرار الضمير في قوله: وهم بالآخرة هم يوقنون للتأكيد.
ثم ذكر تعالى الكفرة الذين لا يؤمنون بالبعث، والإشارة إلى قريش ، وقوله تعالى: زينا لهم أعمالهم يحتمل أنه تعالى حتم عليهم الكفر، وحبب إليهم الشرك، وزينه بأن [ ص: 516 ] خلقه واخترعه في نفوسهم، ومع ذلك اكتسابهم وحرصهم على كفرهم، وهذا على أن تكون الأعمال المزينة كفرهم وطغيانهم، ويحتمل أن الأعمال المزينة هي الشريعة التي كان الواجب أن تكون أعمالهم، فأخبر الله تبارك وتعالى على جهة الذكر أنه بفضله ورحمته زين الدين وبينه، ورسم الأعمال والتوحيد، لكن هؤلاء "يعمهون"، أي: ويعرضون، و "العمه": الحيرة والتردد في الصلاة. ثم توعدهم تعالى بسوء العذاب، فمن ناله شيء في الدنيا بقي عليه عذاب الآخرة، ومن لم ينله عذاب في الدنيا كان سوء عذابه في موته وفيما بعده، و "الأخسرون": جمع أخسري; لأن أفعل صفة، لا يجمع إلا أن يضاف فتقوى رتبته في الأسماء، وفي هذا نظر.