قوله عز وجل:
قل الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى آلله خير أما يشركون أمن خلق السماوات والأرض وأنزل لكم من السماء ماء فأنبتنا به حدائق ذات بهجة ما كان لكم أن تنبتوا شجرها أإله مع الله بل هم قوم يعدلون أمن جعل الأرض قرارا وجعل خلالها أنهارا وجعل لها رواسي وجعل بين البحرين حاجزا أإله مع الله بل أكثرهم لا يعلمون
قرأ أبو السمال : "قل الحمد لله" بفتح اللام، وكذلك في آخر السورة، وهذه [ ص: 549 ] ابتداء تقرير وتثبيت لقريش ، وهو أيضا يعم كل مكلف من الناس جميعا، وافتتح ذلك بالقول بحمده وتمجيده والسلام على عباده الذين اصطفاهم للنبوة والإيمان، وهذا اللفظ عام لجميعهم من بني آدم ، وكأن هذا صدر خطبة للتقرير المذكور، وقال رضي الله عنهما: العباد المسلم عليهم هم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، واصطفاهم لنبيه . ابن عباس
قال القاضي أبو محمد رحمه الله :
وفي هذا الاختصاص توبيخ للمعاصرين من الكفار.
وقال : الأمر بالقول في هذه الآية هو الفراء للوط عليه السلام . قال المفسرون: وهذه عجمة من . الفراء
ثم وقف قريشا والعرب -على جهة التوبيخ- على موضع التباين بين الله عز وجل وبين الأوثان والأنصاب. وقرأ جمهور الناس: "تشركون" بالتاء من فوق، وحكى المهدوي عن ، أبي عمرو : "يشركون" بالياء من تحت. وعاصم
وفي هذا التفضيل بلفظة "خير" أقوال: أحدها أن التفضيل وقع بحسب معتقد المشركين; إذ كانت يعتقدون أن في آلهتهم خيرا بوجه ما، وقالت فرقة: في الكلام حذف مضاف في الموضعين، التقدير: أتوحيد الله خير أم عبادة ما تشركون؟ فـ "ما" في هذا التأويل بمعنى الذي، وقالت فرقة: "ما" مصدرية، وحذف المضاف إنما هو أولا، وتقديره: أتوحيد الله خير أم شرككم؟ وقيل: "خير" هنا ليست بأفعل، وإنما هي بفعل، كما تقول: "الصلاة خير" دون تفضيل.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله :
وقد تقدم أن هذه الألفاظ التي تعم معاني كثيرة كخير وشر أو حب ونحو ذلك قد يقع التفضيل بها بين أشياء متباينة; لأن المتباينات ربما اشتركت فيها ولو بوجه ضعيف بعيد، وأيضا فهذا تقرير، والمجادل يقرر خصمه لتنبيهه على خطئه وإلزامه بحصر التفضيل في جانب واحد وانتفائه عن الأخر، وقد استوعبنا هذا فيما مضى. وقالت فرقة: تقدير هذه الآية: آلله ذو خير أما تشركون؟
قال القاضي أبو محمد رحمه الله :
وهذا النوع من الحذف بعيد.
[ ص: 550 ] وقرأ ، الحسن ، وقتادة : "يشركون" بالياء من تحت، وقرأ أهل وعاصم المدينة ومكة والكوفة بالتاء من فوق.
وقوله: أمن خلق وما بعدها من التوقيفات توبيخ لهم، وتقرير على ما لا مندوحة لهم عن الإقرار به، وقرأ الجمهور : "أمن" بشد الميم، وهي "أم" دخلت على "من"، وقرأ : "أمن" بفتح الميم مسهلة، ويحتمل على هذه القراءة- أن تكون الألف للاستفهام و "من" ابتداء، وتقدير الخبر: يكفر بنعمته ويشرك به؟ ونحو هذا من المعنى. و "الحدائق" مجتمع الشجر من العنب والنخيل وغير ذلك، وقال قوم: لا يقال: "حديقة" إلا لما عليه جدار قد أحدق به، وقال قوم: تقول ذلك إذا كان جدار أو لم يكن لأن البياض محدق بالأشجار. و "البهجة": الجمال والنضرة، وقرأ الأعمش : "ذوات بهجة". ثم أخبر سبحانه -على جهة التوقيف- أنه ما كان للبشر، أي: ما يتهيأ لهم، ولا يقع تحت قدرتهم أن ينبتوا شجرها; لأن ذلك يكون بإخراج شيء من العدم إلى الوجود. وقد تقدم ترتيب القراءة في الهمزتين من قوله: أئن و ابن أبي عبلة أإنك لأنت يوسف . وقوله: "أإله"، قال : القراءة باجتماع الهمزتين محدثة لا توجد في كلام أبو حاتم العرب ولا قرأ بها قارئ عتيق. و "يعدلون" يجوز أن يراد به: يعدلون عن طريق الحق، أي: يجورون في فعلهم، ويجوز أن يراد به: يعدلون بالله غيره، أي: يجعلون له عديلا ومثيلا.
و "خلالها" معناه: بينها وأثناءها، و "الرواسي": الجبال، رسا الشيء يرسو إذا ثبت وتأصل، و "البحران": الماء العذب بجملته، والماء الأجاج بجملته، و "الحاجز": [ ص: 551 ] ما جعل الله بينهما من حواجز الأرض وموانعها على رقتها في بعض المواضع ولطافتها التي لولا قدرة الله تبارك وتعالى لغلب الملح العذب، وكل ما مضى من القول في تأويل قوله تعالى: مرج البحرين فهو مترتب هنا فتأمله. وباقي الآية بين.