قوله عز وجل:
حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين
الخطاب لجميع الأمة، والآية أمر بالمحافظة على إقامة الصلوات في أوقاتها وبجميع شروطها.
[ ص: 598 ] وذكر تعالى الصلاة الوسطى ثانية، وقد دخلت قبل في عموم قوله: "الصلوات" لأنه قصد تشريفها وإغراء المصلين بها. وقرأ أبو جعفر الرؤاسي "والصلاة الوسطى" بالنصب على الإغراء. وقرأ كذلك الحلواني .
واختلف الناس في أي صلاة هو هذا الوصف.
فذهبت فرقة إلى أنها الصبح، وأن لفظ "وسطى" يراد به الترتيب لأنها قبلها صلاتا ليل يجهر فيهما، وبعدها صلاتا نهار يسر فيهما، قال هذا القول ، علي بن أبي طالب ، وصلى بالناس يوما الصبح فقنت قبل الركوع، فلما فرغ قال: هذه الصلاة الوسطى التي أمرنا الله أن نقوم فيها قانتين ، وقاله وابن عباس ، ورواه عن جماعة من الصحابة، وقاله أبو العالية ، جابر بن عبد الله ، وعطاء بن أبي رباح ، وعكرمة ، ومجاهد وعبد الله بن شداد بن الهادي ، والربيع . وقوى ومالك بن أنس ذلك بأن الصبح لا تجمع إلى غيرها، وصلاتا جمع قبلها وصلاتا جمع بعدها. وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مالك ، "وفضل الصبح لأنها كقيام ليلة لمن شهدها، [ ص: 599 ] والعتمة نصف ليلة". وقال الله: لو يعلمون ما في العتمة والصبح لأتوهما ولو حبوا ، وقال: إنهما أشد الصلوات على المنافقين إن قرآن الفجر كان مشهودا فيقوي هذا كله أمر الصبح.
وقالت فرقة: هي صلاة الظهر، قاله ، ورفع فيه حديثا عن النبي صلى الله عليه وسلم وقاله زيد بن ثابت ، أبو سعيد الخدري ، واحتج قائلو هذه المقالة بأنها أول صلاة صليت في الإسلام فهي وسطى بذلك، أي فضلى، فليس هذا التوسط في الترتيب، وأيضا فروي أنها كانت أشق الصلوات على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لأنها كانت تجيء في الهاجرة، وهم قد نفعتهم أعمالهم في أموالهم، وأيضا فيدل على ذلك ما قالته وعبد الله بن عمر حفصة حين أملتا وعائشة فهذا اقتران الظهر والعصر. حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى "وصلاة العصر"
وقالت فرقة: صلاة العصر، لأنها قبلها صلاتا نهار وبعدها صلاتا ليل، وروي هذا القول أيضا عن "الصلاة الوسطى" ، علي بن أبي طالب ، وابن عباس ، وأبي هريرة ، وابن عمر وأبي سعيد الخدري ، وفي مصحف رضي الله عنها: عائشة والصلاة الوسطى "وهي العصر" وهو قولها المروي عنها. وقاله ، الحسن البصري ، وفي إملاء حفصة أيضا: وإبراهيم النخعي والصلاة الوسطى [وهي صلاة العصر]. ومن روى، "وصلاة العصر" فيتأول أنه عطف إحدى الصفتين على الأخرى وهما لشيء واحد كما تقول: [ ص: 600 ] "جاءني زيد الكريم والعاقل". وروي عن أنه قرأ: حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى "صلاة العصر" " على البدل، وروى هذا القول ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم. وتواتر الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال يوم الأحزاب: سمرة بن جندب . شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر ملأ الله بيوتهم وقبورهم نارا رضي الله عنه: كنا نرى أنها الصبح حتى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب: "شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر، فعرفنا أنها العصر" علي بن أبي طالب . وقال
وقال : البراء بن عازب حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى ، فقال له رجل: فهي العصر؟ قال: "قد أخبرتك كيف قرأناها وكيف نسخت ، والله أعلم. كنا نقرأ على عهد النبي صلى الله عليه وسلم: "حافظوا على الصلوات وصلاة العصر"، ثم نسخها الله فقرأنا:
وروى أبو مالك الأشعري ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " . الصلاة الوسطى صلاة العصر
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وعلى هذا القول جمهور الناس، وبه أقوال والله أعلم.
وقال قبيصة بن ذؤيب : "الصلاة الوسطى": صلاة المغرب لأنها متوسطة في عدد الركعات، ليست ثنائية ولا رباعية، وأيضا فقبلها صلاتا سر، وبعدها صلاتا جهر.
وحكى أبو عمر يوسف بن عبد الله بن عبد البر في شرح باب جامع الوقوت وغيره، عن فرقة، أن "الصلاة الوسطى" صلاة العشاء الآخرة، وذلك أنها تجيء في وقت نوم، [ ص: 601 ] وهي أشد الصلوات على المنافقين، ويستحب تأخيرها، وذلك شاق، فوقع التأكيد في المحافظة عليها، وأيضا فقبلها صلاتان وبعدها صلاتان.
وقالت فرقة: "الصلاة الوسطى" لم يعينها الله تعالى لنا، فهي في جملة الخمس غير معينة كليلة القدر في ليالي العشر، فعل الله ذلك لتقع المحافظة على الجميع، قاله عن نافع ، وقاله ابن عمر . الربيع بن خثيم
وقالت فرقة: "الصلاة الوسطى" هي صلاة الجمعة، فإنها وسطى فضلا لما خصت به من الجمع والخطبة، وجعلت عيدا، ذكره ابن حبيب . ومكي
وقال بعض العلماء: "الصلاة الوسطى": المكتوبة الخمس. وقوله أولا: "على الصلوات" يعم النفل والفرض، ثم خص الفرض بالذكر، ويجري مع هذا التأويل قوله صلى الله عليه وسلم: . شغلونا عن الصلاة الوسطى
وقوله تعالى: وقوموا لله قانتين معناه: في صلاتكم، واختلف الناس في معنى "قانتين" فقال : معناه: مطيعين. وقاله الشعبي ، جابر بن زيد وعطاء . وقال وسعيد بن جبير : الضحاك عن النبي صلى الله عليه وسلم أبو سعيد ، وإن أهل كل دين فهم اليوم يقومون لله عاصمين، فقيل لهذه الأمة: وقوموا لله مطيعين. وقال نحو هذا كل قنوت في القرآن فإنما يعنى به الطاعة، وقاله ، الحسن بن أبي الحسن . وقال وطاوس : "قانتين" معناه: ساكتين. السدي
وهذه الآية نزلت في وكان ذلك مباحا في صدر الإسلام، وقال المنع من الكلام في الصلاة، : عبد الله بن مسعود . كنا نتكلم في الصلاة ونرد السلام ويسأل الرجل صاحبه حاجته قال: ودخلت يوما والنبي صلى الله عليه وسلم يصلي بالناس فسلمت، فلم يرد علي أحد فاشتد ذلك علي، فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إنه لم يمنعني أن أرد عليك إلا أنا أمرنا أن نقوم قانتين لا نتكلم في الصلاة
[ ص: 602 ] والقنوت: السكوت، قاله وقال: كنا نتكلم في الصلاة حتى نزلت: زيد بن أرقم وقوموا لله قانتين فأمرنا السكوت. وقال : خاشعين، القنوت: طول الركوع والخشوع، وغض البصر، وخفض الجناح، وإحضار الخشية والفكر في الوقوف بين يدي الله تعالى. مجاهد
وقال : القنوت: طول القيام وطول الركوع والانتصاب له. وقال قوم: القنوت: الدعاء. و"قانتين" معناه: داعين. روي معنى هذا عن الربيع . ابن عباس
وفي الحديث: رعل وذكوان ، فقال قوم: معناه دعا، وقال قوم: معناه طول قيامه، ولا حجة في هذا الحديث لمعنى الدعاء. قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم شهرا يدعو على