قوله عز وجل:
وما آتيتم من ربا ليربو في أموال الناس فلا يربو عند الله وما آتيتم من زكاة تريدون وجه الله فأولئك هم المضعفون الله الذي خلقكم ثم رزقكم ثم يميتكم ثم يحييكم هل من شركائكم من يفعل من ذلكم من شيء سبحانه وتعالى عما يشركون ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون
قرأ الجمهور: "وما آتيتم" بمعنى: أعطيتم، وقرأ : "وما أتيتم" بغير مد، بمعنى: ما فعلتم، كما تقول: أتيت صوابا وأتيت خطأ، وأجمعوا على المد في قوله: ابن كثير "وما آتيتم من ربا". والربا: الزيادة.
واختلف المتأولون في معنى هذه الآية، فقال ، ابن عباس ، وابن جبير ، ومجاهد : هذه آية نزلت في هبات الثواب. وطاوس
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وما جرى مجراها مما يصنعه الإنسان ليجازى عليه; كالسلام وغيره، فهو وإن كان لا إثم فيه، فلا أجر فيه ولا زيادة عند الله تبارك وتعالى.
وقال أيضا، ابن عباس : نزلت في قوم يعطون قراباتهم وإخوانهم على معنى تمويلهم ونفعهم والتفضل عليهم، وليزيدوا في أموالهم على جهة النفع لهم، وقال وإبراهيم النخعي : معنى الآية أن ما خدم الإنسان به أحدا، وخف به لينتفع في دنياه، فإن [ ص: 29 ] ذلك النفع الذي يجزى به الخدمة فلا يربو عند الله تعالى. الشعبي
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وهذا كله قريب جزء من التأويل. ويحتمل أن يكون معنى هذه الآية لما حض عز وجل على نفع ذوي القربى والمساكين وابن السبيل أعلم أن ما فعل المرء من ربا ليزداد به مالا - وفعله ذلك إنما هو في أموال الناس - فإن ذلك لا يربوا عند الله تعالى ولا يزكو، بل يتعلق فيه الإثم ومحق البركة، وما أعطى الإنسان من زكاة تنمية لماله وتطهيرا، يريد بذلك وجه الله تعالى، فذلك هو الذي يجازى به أضعافا مضاعفة على ما شاء الله تعالى له. النهي عن الربا في التجارات.
وقال : نزلت هذه الآية في ربا السدي ثقيف; لأنهم كانوا يعملون بالربا وتعمله فيهم قريش.
وقرأ جمهور القراء السبعة: "ليربو" بالياء وإسناد الفعل إلى الربا، وقرأ وحده: "لتربوا" بضم التاء والواو ساكنة، بمعنى: تكونوا ذوي زيادات، وهذه قراءة نافع رضي الله عنهما وأهل ابن عباس المدينة، ، والحسن ، وقتادة ، وأبو رجاء . قال والشعبي : هي قراءتنا، وقرأ أبو حاتم : "لتربوها" بضمير المؤنث، و "المضعف" الذي هو ذو أضعاف من التراث، كما المؤلف الذي له آلاف، وكما تقول: أخصب إذا كان ذا خصب، وهذا كثير، ومنه أربى المتقدم في قراءة من قرأ: "لتربوا" بضم التاء. أبو مالك
ثم كرر مخاطبة الكفرة في أمر أوثانهم، فذكر أفعال الله تعالى التي لا شريك له فيها، وهي الخلق والرزق والإماتة والإحياء، ولا يمكن أن ينكر ذلك عاقل، ووقف الكفار - على جهة التقرير والتوبيخ - ( هل من شركائهم ) أي: الذين جعلوهم شركاء، من يفعل شيئا من ذلك؟ وهذا الترتيب بـ"ثم" هو في الإيجاد شيئا بعد شيء، ومن هنا أدخل الفقهاء الولد مع أبيه في تعقب الأجناس إذا كان اللفظ: "على أعقابهم، ثم على أعقاب أعقابهم". ثم نزه تبارك وتعالى نفسه عن مقالتهم في الإشراك. وقرأ الجمهور: "يشركون" بالياء من تحت، وقرأ ، الأعمش بالتاء من فوق. وابن وثاب
ثم ذكر تعالى - على جهة العبرة - ما ظهر من الفساد بسبب المعاصي في قوله: ظهر الفساد في البر والبحر ، واختلف الناس في معنى "البر والبحر" - في هذه الآية - فقال : البر: البلاد البعيدة من البحر، والبحر: السواحل والمدن التي على ضفة [ ص: 30 ] البحر والأنهار الكبار. وقال مجاهد : البر: الفيافي ومواضع القبائل والصحاري والبحر: المدن، جمع بحرة. قتادة
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
ومنه رضي الله عنه للنبي صلى الله عليه وسلم في شأن سعد بن عبادة عبد الله بن أبي ابن سلول: "ولقد أجمع أهل هذه البحرة على أن يتوجوه" الحديث. ومما يؤيد هذا أن قول قرأ: "في البر والبحور"، ورويت عن عكرمة رضي الله عنهما. وقال ابن عباس أيضا: ظهور الفساد في البر قتل أحد ابني مجاهد آدم لأخيهم، وفي البحر أخذ السفن غصبا، وقال بعض العباد: البحر: القلب، البر: اللسان، وقال البر والبحر هما المعروفان المشهوران في اللغة. الحسن:
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وهذا هو القول صحيح.
[ ص: 31 ] وظهور الفساد فيهما هو بارتفاع البركات، ونزول رزايا وحدوث فتن، وتغلب عدو كافر، وهذه الثلاثة توجد في البر والبحر.
قال رضي الله عنهما: الفساد في البحر: انقطاع صيده بذنوب بني ابن عباس آدم، وقلما توجد أمة فاضلة مطيعة مستقيمة الأعمال إلا يدفع الله عنها هذه، والأمر بالعكس في أهل المعاصي وبطر النعمة، وكذلك كان أمر البلاد في وقت مبعث النبي صلى الله عليه وسلم، قد كان الظلم عم الأرض برا وبحرا، وقد جعل الله تعالى هذه الأشياء ليجازي بها على المعاصي، فيذيق الناس عاقبة إذنابهم لعلهم يتوبون ويراجعون بصائرهم في طاعة الله تعالى.
وقوله تعالى: بما كسبت تقديره: جزاء ما كسبت، ويحتمل أن تتعلق الباء بـ"ظهر"، أي: كسبهم المعاصي في البر والبحر، هو نفس الفساد الظاهر، والترجي في "لعل" هو بحسب معتقدنا، وبحسب نظرنا في الأمور.
وقرأت عامة القراء والناس: "ليذيقهم" بالياء، وقرأ عن قنبل ، ابن كثير ، والأعرج بالنون، ومعناهما بين، وقرأ أيضا وأبو عبد الرحمن السلمي : "لتذيقهم" بالتاء من فوق. أبو عبد الرحمن