الله الذي يرسل الرياح فتثير سحابا فيبسطه في السماء كيف يشاء ويجعله كسفا فترى الودق يخرج من خلاله فإذا أصاب به من يشاء من عباده إذا هم يستبشرون وإن كانوا من قبل أن ينزل عليهم من قبله لمبلسين فانظر إلى آثار رحمت الله كيف يحيي الأرض بعد موتها إن ذلك لمحيي الموتى وهو على كل شيء قدير
إثارة السحب: تحريكها من سكونها وتسييرها، وبسطها في السماء هو نشرها في الآفاق، و"الكسف": القطع. وقرأ جمهور القراء: "كسفا" بفتح السين، وقرأ : "كسفا" بسكون السين، وهي قراءة ابن عامر الحسن، ، وأبي جعفر ، وهما بناءان للجمع، كما يقال: "سدرة وسدر" بسكون الدال، و"سدر" بفتح الدال، وقال والأعرج : من أسكن السين فمعناه: يجعل السحاب قطعة واحدة، و"الودق": الماء يمطر، ومنه قول الشاعر: مكي
فلا مزنة ودقت ودقها ... ولا أرض أبقل إبقالها
و"خلاله": الفطور الذي بين بعضه وبعض; لأنه متحلل الأجزاء. وقرأ الجمهور: "من خلاله" بكسر الخاء وألف بعد اللام، جمع خلل كجبل وجبال، وقرأ رضي الله عنه علي بن أبي طالب ، وابن عباس ، والضحاك - بخلاف عنه -: "من خلله"، وهو اسم جنس. والضمير في "خلاله" يحتمل أن يعود على "السحاب"، ويحتمل أن يعود على "الكسف" في قراءة من قرأ بسكون السين، وذكر الضمير مراعاة [ ص: 34 ] للفظ لا لمعنى الجمع، كما تقول: "هذا تمر جيد"، و"من الشجر الأخضر نارا"، ومن قرأ: "كسفا" بفتح السين فلا يعيد الضمير إلا على السحاب فقط. والحسن
وقوله عز وجل: "من قبله" تأكيد أفاد الإعلام بسرعة تقلب قلوب البشر من الإبلاس إلى الاستبشار، وذلك أن قوله: من قبل أن ينزل عليهم يحتمل الفسحة في الزمان، أي: من قبل ذلك، أي: من قبل أن ينزل بكثير كالأيام ونحوه، فجاء قوله: "من قبله" بمعنى أن ذلك متصل بالمطر، فهو تأكيد مفيد. وقرأ يعقوب، ، وعيسى - بخلاف عنه -: "ينزل" مخففة، وقرأت عامة القراء بالتثقيل في الزاي، وقرأ وأبو عمرو : "عليهم لمبلسين" بسقوط "من قبله". و"الإبلاس": الكون في حال سوء مع اليأس من زوالها. ابن مسعود
ثم عجبه بمخاطبة يراد بها جميع الناس من أجل رحمة الله وهي المطر، وقرأ ، ابن كثير ، ونافع ، "أثر" بالإفراد، وقرأ وأبو عمرو ، ابن عامر ، وحمزة : "آثار" بالجمع، واختلف عن والكسائي . عاصم
وقوله: كيف يحيي يحتمل أن يكون الضمير الذي في الفعل للأثر، ويحتمل أن يكون لله تعالى، وهو أظهر. وقرأت فرقة: "كيف تحيا" بالتاء المفتوحة "الأرض" بالرفع. وقرأ الجحدري، وابن السميفع، وأبو حيوة: "تحيي" بتاء مضمومة على أن إسناد الفعل إلى ضمير الرحمة نصبا. قال أبو الفتح: قوله: "كيف تحيي" جملة منصوبة الموضع على الحال حملا على المعنى، كأنه قال: "محيية، وهذه الحياة [ ص: 35 ] والموت استعارة في القحط والإعشاب. ثم أخبر تبارك وتعالى - على جهة القياس والتنبيه عليه - بالبعث والنشور، وقوله سبحانه: على كل شيء عموم.