قوله عز وجل:
ولئن أرسلنا ريحا فرأوه مصفرا لظلوا من بعده يكفرون فإنك لا تسمع الموتى ولا تسمع الصم الدعاء إذا ولوا مدبرين وما أنت بهاد العمي عن ضلالتهم إن تسمع إلا من يؤمن بآياتنا فهم مسلمون
ثم أخبر تعالى عن حال تقلب ابن آدم في أنه بعيد الاستبشار بالمطر أن بعث الله ريحا فاصفر بها النبات ظل يكفر قلقا منه وقلة توكل وتسليم لله عز وجل. والضمير في "فرأوه" للنبات كما قلنا، أو للأثر وهو حوة النبات الذي أحييت به الأرض، وقال قوم: هو للسحاب، وقال قوم: هو للريح، وهذا كله ضعيف. واللام في "لئن" مؤذنة بمجيء القسم، وفي "لظلوا" فاللام لام القسم. وقوله تعالى: "ظلوا" فعل ماض نزله منزلة المستقبل واستنابه منابه; لأن الجزاء هنا لا يكون إلا بفعل مستقبل، لكن استعمل الماضي موضع المستقبل في بعض المواضع توثيقا لوقوعه.
وقوله تعالى: فإنك لا تسمع الموتى الآية... استعارة للكفار، وقد تقدم القول على مثل هذه الآية في سورة النمل. وكلهم قرأ: "لا تسمع" بتاء مضمومة ونصب "الصم"، وقرأ ، ابن كثير وعباس عن : "تسمع" بياء مفتوحة "الصم" رفعا. وقرأ الجمهور: أبي عمرو "بهاد العمي" بالإضافة، وقرأ يحيى بن الحرث، وأبو حيوة: "بهاد" بالتنوين "العمي" نصبا. وقوله: إن تسمع إلا من يؤمن معناه: إن تسمع إسماعا ينفع ويجدي، وأما سماع الكفرة فغير مجد فاستويا. وقوله تعالى: عن ضلالتهم ، لما كان الهدى يتضمن الصرف عديت بـ"عن" كما تتعدى "صرف"، ومعنى الآية: ليس في قدرتك يا محمد ولا عليك أن تهدي. وقرأ : "من ضلالتهم. ابن أبي عبلة