[ ص: 90 ] قوله عز وجل:
ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم وكان الله غفورا رحيما النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله من المؤمنين والمهاجرين إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفا كان ذلك في الكتاب مسطورا
أمر الله تعالى في هذه الآية بدعاء الأدعياء إلى آبائهم للصلب، فمن جهل ذلك فيه كان مولى وأخا في الدين، فقال الناس: ، زيد بن حارثة ، إلى غير ذلك، وذكر وسالم مولى أبي حذيفة أن الطبري أبا بكرة قرأ هذه الآية ثم قال: أنا ممن لا يعرف أبوه، فأنا أخوكم في الدين ومولاكم، قال الراوي عنه: ولو علم والله أن أباه حمار لانتمى إليه.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
ورجال الحديث يقولون في أبي بكرة : نفيع بن الحارث .
و"أقسط" معناه: أعدل، وقال : قتادة بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من ادعى إلى غير أبيه متعمدا حرم الله عليه الجنة".
وقوله عز وجل: وليس عليكم جناح الآية رفع للحرج عمن وهم ونسي وأخطأ فجرى على العادة من نسبة زيد إلى محمد صلى الله عليه وسلم وغير ذلك مما يشبهه، وأبقى الجناح في التعمد مع الشرط أو الجزاء المنصوص.
وقوله تعالى: وكان الله غفورا رحيما يريد: لما مضى من فعلهم في ذلك، ثم هما صفتان لله عز وجل تطردان في كل شيء، وقالت فرقة: خطؤهم فيما كان سلف من قولهم ذلك.
[ ص: 91 ] قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وهذا ضعيف لا يوصف ذلك بخطأ إلا بعد النهي، وإنما الخطأ هنا بمعنى النسيان، وما كان مقابل العمد. وحكى عن الطبري أنه قال: الخطأ الذي رفع الله فيه الجناح أن تعتقد في أحد أنه ابن فلان فتنسبه إليه، وهو في الحقيقة ليس بابنه، والعمد هو أن تنسبه إلى فلان وأنت تدري أنه ابن غيره، قتادة وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: والخطأ مرفوع عن هذه الأمة عقابه، وقال عليه الصلاة والسلام: "وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما أكرهوا عليه"، "ما أخشى عليكم الخطأ، وإنما أخشى العمد".
وقوله تعالى: النبي أولى بالمؤمنين الآية. أزال الله تعالى بها أحكاما كانت في صدر الإسلام، منها فجمع هذا أن المؤمن يلزم أن يحب النبي أكثر من نفسه، حسب حديث أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يصلي على ميت عليه دين، فذكر الله تعالى أنه أولى بالمؤمنين من أنفسهم، رضي الله عنه، ويلزمه أن يمتثل أوامره، أحبت نفسه ذلك أو كرهته، عمر النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم . وقال بعض العلماء العارفين: هو أولى بهم من أنفسهم; لأن أنفسهم تدعوهم إلى الهلاك، وهو يدعوهم إلى النجاة. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين نزلت هذه الآية: "أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم، من ترك مالا فلورثته، ومن ترك دينا أو ضياعا فعلي، أنا وليه، اقرؤوا إن شئتم":
[ ص: 92 ] قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
ويؤيد هذا قوله عليه الصلاة والسلام: "أنا آخذ بحجزكم عن النار وأنتم تقحمون فيها تقحم الفراش".
وشرف تعالى أزواج النبي صلى الله عليه وسلم بأن جعلهن أمهات المؤمنين: في حرمة النكاح وفي المبرة، وحجبهن رضي الله عنهن بخلاف الأمهات، قال : قالت امرأة مسروق رضي الله عنها: يا أمه، فقالت: لست لك بأم، وإنما أنا أم رجالكم، وفي مصحف لعائشة : "وأزواجه أمهاتهم وهو أب لهم"، وقرأ أبي بن كعب رضي الله عنهما: "من أنفسهم وهو أب لهم وأزواجه أمهاتهم"، وسمع ابن عباس رضي الله عنه هذه القراءة فأنكرها، فقيل له: إنها في مصحف عمر فسأله فقررها أبي، وأغلظ أبي ، وقد قيل في قول لعمر لوط عليه السلام: "هؤلاء بناتي": إنما أراد المؤمنات، أي: تزوجوهن.
ثم حكم بأن أولي الأرحام أحق مما كانت الشريعة قررته من التوارث بأخوة الإسلام وبالهجرة، فإنه كان بالمدينة توارث في صدر الإسلام بهذين الوجهين، اختلفت الرواية في صفته، وليس لمعرفته الآن حكم فاختصرته، ورد الله المواريث على الأنساب الصحيحة.
وقوله: في كتاب الله يحتمل أن يريد القرآن، ويحتمل أن يريد اللوح المحفوظ، وقوله: من المؤمنين متعلق بـ"أولى" الثانية، وهذه الأخوة والهجرة التي ذكرنا.
[ ص: 93 ] وقوله تعالى: إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفا يريد الإحسان في الحياة، والصلة والوصية عند الموت، قاله ، قتادة ، والحسن ، وعطاء ، وهذا كله جائز أن يفعل مع الولي على أقسامه، والقريب الكافر يوصى له بوصية. واختلف العلماء، هل يجعل هو وصيا؟ فجوز بعض، ومنع بعض، ورد النظر في ذلك إلى السلطان بعض، منهم وابن الحنفية رضي الله عنه. وذهب مالك بن أنس ، مجاهد ، وابن زيد وغيره إلى أن المعنى: "إلى أوليائكم من المؤمنين"، ولفظ الآية يعضد هذا المذهب، وتعميم لفظ "الولي" أيضا حسن كما قدمنا; إذ ولاية النسب لا تدفع الكافر والرماني،
وإنما يدفع أن يلقى إليه بالمودة كولي الإسلام، والكتابي الذي سطر ذلك فيه يحتمل الوجهين اللذين ذكرنا.
و"مسطورا" من قولك: "سطرت الكتاب" إذا أثبته أسطارا، ومنه قول العجاج :
في الصحف الأولى التي كان سطر
قال : وفي بعض القراءة: "كان ذلك عند الله مكتوبا". قتادة