ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا وكفى الله المؤمنين القتال وكان الله قويا عزيزا وأنزل الذين ظاهروهم من أهل الكتاب من صياصيهم وقذف في قلوبهم الرعب فريقا تقتلون وتأسرون فريقا وأورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم وأرضا لم تطئوها وكان الله على كل شيء قديرا
[ ص: 109 ] عدد الله تعالى في هذه الآية نعمه على المؤمنين في هزم الأحزاب، وأن الله تعالى ردهم بغيظهم لم يشفوا منه شيئا، ولا نالوا مرادا، وكفى الله كل من كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقاتل الأحزاب. وروي أن المراد بـ المؤمنين هنا رضي الله عنه وقوم معه عبئوا للقتال وبرزوا ودعوا إليه. وقيل: عنى رجلا من المشركين اسمه علي بن أبي طالب عمرو بن عبد ود، فكفاهم الله مداومة ذلك ودعوته بأن هزم الأحزاب بالريح والملائكة، وصنع ذلك بقوته وعزته. : حبسنا يوم الخندق فلم نصل الظهر ولا العصر ولا المغرب ولا العشاء، حتى كان بعد هوي من الليل كفينا، وأنزل الله تبارك وتعالى: أبو سعيد الخدري وكفى الله المؤمنين القتال ، وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقام، وصلى الظهر فأحسنها، ثم كذلك كل صلاة بإقامة إقامة. بلالا قال
وقوله تعالى: وأنزل الذين ظاهروهم يريد بني قريظة بإجماع من المفسرين، قال : وقال الرماني الذين أنزلوا من صياصيهم الحسن: بنو النضير، وقال الناس: هم بنو قريظة، وذلك أنهم لما غدروا برسول الله صلى الله عليه وسلم وظاهروا الأحزاب عليه أراد الله النقمة منهم، فلما ذهب الأحزاب جاء جبريل عليه السلام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقت الظهر، فقال: يا محمد، إن الله تعالى يأمرك بالخروج إلى بني قريظة، فنادى رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس، وقال لهم: "لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة"، فخرج الناس إليها، ووصلها قوم من الصحابة بعد العشاء وهم لم يصلوا العصر وقوفا مع لفظ النبي صلى الله عليه وسلم فلم يخطئهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك، وصلى قوم في الطريق، ورأوا أن قول النبي صلى الله عليه وسلم إنما خرج مخرج التأكيد، فلم يخطئهم أيضا، وحصر رسول الله صلى الله عليه وسلم بني قريظة خمسا وعشرين ليلة، ثم نزلوا على حكم الأوسي رضي الله عنه، وكان بينهم وبين الأوس حلف، فرجوا حنوه عليهم، فحكم فيهم سعد بن معاذ سعد بأن تقتل المقاتلة، وتسبى الذرية والعيال والأموال، وأن تكون الأرض والثمار للمهاجرين دون الأنصار، فقالت له الأنصار في ذلك، فقال: أردت أن تكون لهم أموال كما لكم أموال، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لقد حكمت فيهم بحكم المليك من فوق سبعة أرقعة"، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم برجالهم فأخرجوا أرسالا، وضرب أعناقهم، وهم من الثمانمائة إلى [ ص: 110 ] التسعمئة، وسيق فيهم حيي بن أخطب النضري، وهو الذي كان أدخلهم في الغدر برسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما ذهب الأحزاب دخل عندهم، وفاء لهم، فأخذه الحصر حتى نزل فيمن نزل على حكم سعد ، فلما قرب وعليه حلتان فقاحيتان، ويداه مجموعة إلى عنقه وأبصر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له: يا محمد، والله ما لمت نفسي في عداوتك، ولقد اجتهدت ولكن من يخذل الله يخذل، ثم قال: أيها الناس، لا بأس، إنه أمر الله وقدره وملحمة كتبت على بني إسرائيل، ثم تقدم فضربت عنقه، وفيه يقول جبل بن جوال الثعلبي :
لعمرك ما لام ابن أخطب نفسه ... ولكنه من يخذل الله يخذل
لجاهد حتى أبلغ النفس عذرها
... وقلقل يبغي العز كل مقلقل
وقوله: "ظاهروهم" معناه: عاونوهم، وقرأ : "الذين آزروهم"، وهي بمعنى: ظاهروهم. والصياصي: الحصون، وإحداها: صيصة، وهي كل ما يمتنع به، ومنه يقال لقرون البقر: الصياصي، والصياصي أيضا شوك الحاكة، وتتخذ من حديد، ومنه قول عبد الله بن مسعود دريد بن الصمة:
كوقع الصياصي في النسيج الممدد
والفريق المقتول: الرجال المقاتلة، والفريق المأسور: العيال والذرية.
وقرأ الجمهور: "وتأسرون" بكسر السين، وقرأ أبو حيوة: "وتأسرون" بضم السين.
[ ص: 111 ] وقوله تعالى: "وأورثكم" استعارة، من حيث حصل ذلك لهم بعد موت الآخرين وقتلهم، وقوله: وأرضا لم تطئوها يريد بها البلاد التي فتحت بعد كالعراق والشام واليمن ومكة، فوعد الله تعالى بها عند فتح حصون بني قريظة، وأخبر أنه قد قضى بذلك، قاله . وذكر عكرمة عن فرق أنهم خصصوا ذلك، فقال الطبري أراد الحسن: الروم وفارس، وقال : كنا نتحدث أنها قتادة مكة، وقال يزيد بن رومان، ، ومقاتل : هي وابن زيد خيبر، وقالت فرقة: اليمن.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
ولا وجه لتخصيص شيء من ذلك دون شيء.