يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين وكان ذلك على الله يسيرا ومن يقنت منكن لله ورسوله وتعمل صالحا نؤتها أجرها مرتين وأعتدنا لها رزقا كريما يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قولا معروفا
قال : كان أبو رافع رضي الله عنه كثيرا ما يقرأ سورة يوسف وسورة الأحزاب في الصبح، فكان إذا بلغ عمر "يا نساء النبي" رفع بها صوته، فقيل له، فقال: أذكرهن العهد.
وقرأ الجمهور: "من يأت" بياء وتاء، "ومن يقنت" بياء حملا على اللفظ، وقرأ عمرو بن فايد، الجحدري، "تأت" بتاءين و"تقنت" بالتاء من فوق حملا على المعنى. وقال قوم: الفاحشة إذا وردت معرفة فهي الزنى واللواط، وإذا وردت منكرة فهي سائر المعاصي وكل مستفحش، وإذا وردت منعوتة بالبيان فهي عقوق الزوج وفساد عشرته، ولذلك يصفها بالبيان إذ لا يمكن سترها، والزنى وغيره هو مما يتستر به ولا يكون مبينا، ولا محالة أن الوعيد واقع على ما خفي منه وما ظهر. وقالت فرقة: بل قوله: ويعقوب: بفاحشة مبينة يعم جميع المعاصي، وكذلك الفاحشة كيف وردت. ولما كان أزواج النبي صلى الله عليه وسلم في مهبط الوحي وفي منزل أوامر الله ونواهيه قوي الأمر عليهن ولزمهن بسبب مكانتهن أكثر مما يلزم غيرهن، فضوعف لهن الأجر والعذاب، والإشارة بالفاحشة إلى الزنى وغيره.
وقرأ ، ابن كثير وشبل، : "مبينة" بفتح الياء، وقرأ وعاصم ، نافع ، وأبو عمرو بكسرها وقرأت فرقة: "يضاعف" بالياء على إسناد الفعل إلى الله تعالى، [ ص: 114 ] وقرأ وقتادة فيما روي عنه: "نضاعف" بنون مضمومة "العذاب" نصبا، وهي قراءة أبو عمرو ابن محيصن، وهذه مفاعلة من واحد كطارقت النعل وعاقبت اللص. وقرأ ، نافع ، وحمزة : "يضاعف" بالياء وعين مفتوحة "العذاب" رفعا، وقرأ والكسائي : "يضعف" بتشديد العين على بناء المبالغة "العذاب" رفعا، وهي قراءة أبو عمرو الحسن، ، وابن كثير . وقرأ وعيسى ، ابن كثير : "نضعف" بالنون وكسر العين المشددة "العذاب" نصبا، وهي قراءة وابن عامر الجحدري.
وقوله: "ضعفين" معناه: أن يكون العذاب عذابين، أي: يضاف إلى عذاب سائر الناس عذاب آخر مثله. وقال ، أبو عبيدة - فيما حكى وأبو عمرو عنهما -: بل يضاعف إليه عذابان مثله فيكون ثلاثة أعذبة، وضعفه الطبري ، وكذلك هو غير صحيح وإن كان له باللفظ تعلق احتمال، ويكون الأجر مرتين مما يفسد هذا القول; لأن العذاب في الفاحشة بإزاء الأجر في الطاعة، والإشارة بذلك إلى تضعيف العذاب. الطبري
و"يقنت" معناه: يطيع ويخضع بالعبودية، قاله الشعبي . وقرأ وقتادة ، نافع ، وابن كثير ، وعاصم ، وأبو عمرو : "يقنت" بالياء، و"تعمل" بالتاء، وابن عامر "نؤتها" بالنون، وهي قراءة الجمهور. قال : أسند "يقنت" إلى ضمير، فلما تبين أنه المؤنث حمل فيما "تعمل" على المعنى، وقرأ أبو علي ، حمزة كل الثلاثة المواضع بالياء حملا في الأولين على لفظ "من"، وهي قراءة والكسائي ، الأعمش وأبي عبد الرحمن ، ، وقرأ وابن وثاب أيضا: "فسوف يؤتها الله أجرها". الأعمش
و"الاعتاد": التيسير والإعداد، و"الرزق الكريم": الجنة، ويجوز أن يكون في ذلك وعد دنياوي، أي أن رزقها في الدنيا على الله، وهو كريم من حيث ذلك هو حلال وقصد وبرضى من الله في نيله، وقال بعض المفسرين: العذاب الذي توعد به ضعفين هو عذاب الدنيا ثم عذاب الآخرة، وكذلك الأجر، وهذا ضعيف اللهم إلا أن يكون أزواج النبي صلى الله عليه وسلم لا تدفع عنهن حدود الدنيا عذاب الآخرة، على ما هي حال الناس عليه، بحكم حديث ، وهذا أمر لم يرو في أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ولا حفظ تقرره. عبادة بن الصامت
[ ص: 115 ] ثم خاطبهن الله تعالى بأنهن لسن كأحد من نساء عصرهن فما بعد، بل هن أفضل بشرط التقوى; لما منحهن الله من صحبة الرسول عليه الصلاة والسلام وعظم المحل منه ونزول القرآن في حقهن، وإنما خصص النساء لأن فيمن تقدم آسية ومريم، فتأمله، وقد أشار إلى هذا . قتادة
ثم نهاهن الله عما كانت الحال عليه في نساء العرب من مكالمة الرجال برخيم الصوت. "فلا تخضعن" أي: ولا تلن، وقد يكون الخضوع في القول في نفس الألفاظ ورخامتها وهيئتها، وإن لم يكن المعنى مريبا، والعرب تستعمل لفظة الخضوع بمعنى الميل في الغزل، ومنه قول ليلى الأخيلية حين قال لها : هل رأيت قط من توبة شيئا تنكرينه؟ قالت: لا والله أيها الأمير; إلا أنه أنشدني يوما شعرا ظننت منه أنه خضع لبعض الأمر، فأنشدته أنا: الحجاج
وذي حاجة قلنا له لا تبح بها ... فليس إليها ما حييت سبيل
الحكاية.
وقال : الخضوع بالقول ما يدخل في القلوب الغزل. ابن زيد
وقرأ الجمهور: "فيطمع" بالنصب على أنه نصب بالفاء في جواب التمني. وقرأ ، الأعرج : "فيطمع" بالجزم وكسر للالتقاء، وهذه فاء عطف [ ص: 116 ] محضة، وكان النهي دون جواب ظاهر، وقراءة الجمهور أبلغ; في النهي لأنها تعطي أن الخضوع بسبب الطمع، قال وأبان بن عثمان : قرأ أبو عمرو الداني ، الأعرج : "فيطمع" بفتح الياء وكسر الميم. وعيسى بن عمر
و"المرض" في هذه الآية، قال : هو النفاق، وقال قتادة : الفسق والغزل، وهذا أصوب، وليس للنفاق مدخل في هذه الآية، والقول المعروف هو الصواب الذي لا تنكره الشريعة ولا النفوس. عكرمة