تفسير فاتحة الكتاب
بحول الله تعالى
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين إياك نعبد وإياك نستعين اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين
قال ، ابن عباس وموسى بن جعفر ، عن أبيه، ، وعلي بن الحسين ، وقتادة ، وأبو العالية : إنها مكية، ويؤيد هذا أن في سورة الحجر: ومحمد بن يحيى بن حبان ولقد آتيناك سبعا من المثاني والحجر مكية بإجماع.
وفي حديث : أبي بن كعب نزلت بعد الحجر بمدد، ولا خلاف أن فرض الصلاة كان إنها السبع المثاني، والسبع الطول بمكة ، وما حفظ أنه كانت قط في الإسلام صلاة بغير الحمد لله رب العالمين ، وروي عن ، عطاء بن يسار وسوادة بن زياد ، ، والزهري محمد بن مسلم وعبد الله بن عبيد بن عمير أن سورة الحمد مدنية.
وأما - فلا خلاف أنها يقال لها: فاتحة الكتاب، لأن موضعها يعطي ذلك، واختلف أسماؤها فكره هل يقال لها: أم الكتاب؟ ذلك، فقال: أم [ ص: 70 ] الكتاب الحلال والحرام. قال الله تعالى: الحسن بن أبي الحسن آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات وقال وغيره: يقال لها: أم الكتاب. وقال ابن عباس : سميت أم الكتاب لأنه يبدأ بكتابتها في المصحف، وبقراءتها في الصلاة. وفي تسميتها بأم الكتاب حديث رواه البخاري ، واختلف هل يقال لها أم القرآن؟ فكره ذلك أبو هريرة ، وجوزه جمهور العلماء، قال ابن سيرين : يحيى بن يعمر أم القرى مكة ، وأم خراسان مرو ، وأم القرآن سورة الحمد ، وقال : اسمها أم القرآن، وأما المثاني فقيل: سميت بذلك لأنها تثنى في كل ركعة، وقيل: سميت بذلك لأنها استثنيت لهذه الأمة فلم تنزل على أحد قبلها ذخرا لها. الحسن بن أبي الحسن
وأما فضل هذه السورة فقد : إنها لم ينزل في التوراة ولا في الإنجيل ولا في الفرقان مثلها أبي بن كعب ويروى أنها تعدل ثلثي القرآن، وهذا العدل إما أن يكون في المعاني، وإما أن يكون تفضيلا من الله تعالى لا يعلل، وكذلك يجيء عدل قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث قل هو الله أحد ، وعدل إذا زلزلت وغيرها.
[ ص: 71 ] وروى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أنس بن مالك ثلاثين حسنة على سائر الكلام للحمد لله رب العالمين فضل ، وورد حديث آخر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: وهذا الحديث هو في الذي يقولها من المؤمنين مؤتجرا طالب ثواب، لأن قوله: ( الحمد لله ) في ضمنها التوحيد الذي هو معنى لا إله إلا الله، ففي قوله توحيد وحمد، وفي قول: "لا إله إلا الله" توحيد فقط، فأما إذا أخذا بموضعهما من شرع الملة، ومحلهما من دفع الكفر والإشراك، فـ "لا إله إلا الله" أفضل، والحاكم بذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: من قال: لا إله إلا الله كتبت له عشرون حسنة، ومن قال: الحمد لله رب العالمين كتبت له ثلاثون حسنة . أفضل ما قلته أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله
"الحمد" معناه: الثناء الكامل، والألف واللام فيه لاستغراق الجنس من المحامد، وهو أعم من الشكر، لأن الشكر إنما يكون على فعل جميل يسدى إلى الشاكر، وشكره حمد ما، والحمد المجرد هو ثناء بصفات المحمود من غير أن يسدي شيئا، فالحامد من الناس قسمان: الشاكر والمثني بالصفات، وذهب إلى أن الشكر والحمد بمعنى واحد، وذلك غير مرضي . وحكي عن بعض الناس أنه قال: الشكر ثناء على الله بأفضاله وإنعامه، والحمد ثناء بأوصافه. الطبري
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا أصح معنى من أنهما بمعنى واحد، واستدل على أنهما بمعنى بصحة قولك: الحمد لله شكرا، وهو في الحقيقة دليل على [ ص: 72 ] خلاف ما ذهب إليه، لأن قولك: شكرا; إنما خصصت به الحمد أنه على نعمة من النعم. الطبري
وأجمع السبعة، وجمهور الناس على رفع الدال من "الحمد لله"، وروي عن ، سفيان بن عيينة : "الحمد لله" بفتح الدال، وهذا على إضمار فعل، وروي عن ورؤبة بن العجاج ، الحسن بن أبي الحسن "الحمد لله" بكسر الدال على إتباع الأول الثاني، وروي عن وزيد بن علي "الحمد لله" بضم الدال واللام على إتباع الثاني والأول. قال ابن أبي عبلة : "الحمد لله" ثناء أثنى به على نفسه، وفي ضمنه أمر عباده أن يثنوا به عليه، فكأنه قال: قولوا الحمد لله، وعلى هذا يجيء قولوا إياك. قال: وهذا من حذف الطبري العرب ما يدل ظاهر الكلام عليه، كما قال الشاعر:
وأعلم أنني سأكون رمسا إذا سار النواعج لا يسير فقال السائلون: لمن حفرتم؟
فقال المخبرون لهم: وزير
وقرأت طائفة "رب" بالنصب، فقال بعضهم: هو نصب على المدح، وقال بعضهم: هو على النداء، وعليه يجيء إياك.
و"الرب" في اللغة المعبود، والسيد المالك، والقائم بالأمور، المصلح لما يفسد منها، والملك، تأتي اللفظة لهذه المعاني.
فمما جاء بمعنى "المعبود" قول الشاعر :
أرب يبول الثعلبان برأسه لقد هان من بالت عليه الثعالب
ومما جاء بمعنى "القائم بالأمور الرئيس فيها" قول لبيد :
وأهلكن يوما رب كندة وابنه ورب معد بين خبت وعرعر
تخب إلى النعمان حتى تناله فدى لك من رب طريفي وتالدي
كانوا كسالئة حمقاء إذ حقنت سلاءها في أديم غير مربوب
وكنت امرءا أفضت إليك ربابتي وقبلك ربتني فضعت ربوب
و"العالمين" جمع عالم، وهو كل موجود سوى الله تعالى، يقال لجملته: عالم، ولأجزائه من الإنس والجن وغير ذلك: عالم، وبحسب ذلك يجمع على العالمين، ومن حيث عالم الزمان متبدل في زمان آخر حسن جمعها. ولفظة "العالم" جمع لا واحد له من لفظه، وهو مأخوذ من العلم والعلامة لأنه يدل على موجده. كذا قال . الزجاج
وقد تقدم القول في ( الرحمن الرحيم ) .