ولقد أرسلنا موسى بآياتنا إلى فرعون وملئه فقال إني رسول رب العالمين فلما جاءهم بآياتنا إذا هم منها يضحكون وما نريهم من آية إلا هي أكبر من أختها وأخذناهم بالعذاب لعلهم يرجعون وقالوا يا أيه الساحر ادع لنا ربك بما عهد عندك إننا لمهتدون فلما كشفنا عنهم العذاب إذا هم ينكثون
هذه آية ضرب مثل وأسوة لمحمد بموسى صلى الله عليهما، ولكفار قريش بقوم فرعون وملائه، والآيات التي أرسل بها موسى عليه السلام هي التسع وغير ذلك مما جاءت به الروايات، وخص الله تعالى الملأ بالذكر لأنهم يسدون مسد جميع الناس، ثم وصفهم تعالى بالضحك من آيات موسى عليه السلام، كما كانت قريش تضحك وتسخر من أخبار محمد صلى الله عليه وسلم .
[ ص: 553 ] ثم وصف تعالى صورة عرض الآيات عليهم وأنها كانت شيئا بعد شيء، وقوله تعالى: إلا هي أكبر من أختها عبارة عن شدة موقعها في نفوسهم بجدة أمرها وحدوثه، وذلك أن أول آية عرضها موسى عليه السلام هي: العصا واليد، وكانت أكبر آياته، ثم كل آية بعد ذلك تقع فتعظم عندهم لحينها وتكبر، لأنهم قد كانوا أنسوا التي قبلها، كما قال الشاعر:
على أنها تعفو الكلوم وإنما ... توكل بالأدنى وإن جل ما يقضى
وذهب إلى أن الآيات هنا هي الحجج والبينات، ثم ذكر تعالى أخذهم بالعذاب في القمل والضفادع والدم وغير ذلك، وهذا كما أخذ قريشا بالسنين والدخان، وقوله تعالى: الطبري "لعلهم" ترج بحسب معتقد البشر وظنهم، و "يرجعون": معناه: يتوبون ويقلعون.
وقوله تعالى: وقالوا يا أيه الساحر جائز أن يكون قائل ذلك من أعلمهم بكفر السحر فيكون قوله استهزاء وهو يعلم قدر السحر وانحطاط منزلته، ويكون قوله: "عندك" بمعنى: في زعمك وعلى قولك، ويحتمل أن يكون القائل ليس من المتمردين الحذاق منهم، ويطلق لفظة الساحر لأحد وجهين، إما لأن السحر كان عند عامتهم علم الوقت، فكأنه قال: يا أيها العالم، وإما لأن هذه الاسمية قد كانت انطلقت عندهم على موسى عليه السلام لأول ظهوره فاستصحبها هذا القائل في مخاطبته قلة تحرير وغباوة، ويكون القول -على هذا التأويل- جدا من القائل، ويكون قوله: إننا لمهتدون بمعنى: إن نفعتنا دعوتك، وهذا التأويل أرجح، أعني أن كلام هذا القائل مقترن بالجد، وقرأ وحده: "يأيه" بهاء مضمومة فقط. [ ص: 554 ] ثم أخبر تعالى عنهم أنه سبحانه لما كشف عنهم العذاب نكثوا، ولو كان الكلام هزلا من أوله لما وقع نكث. ابن عامر