قوله عز وجل:
أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم دمر الله عليهم وللكافرين أمثالها ذلك بأن الله مولى الذين آمنوا وأن الكافرين لا مولى لهم إن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار والذين كفروا يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام والنار مثوى لهم وكأين من قرية هي أشد قوة من قريتك التي أخرجتك أهلكناهم فلا ناصر لهم
قوله تعالى: أفلم يسيروا توقيف لقريش وتوبيخ، و الذين من قبلهم يريد ثمود وقوم لوط وقوم شعيب وأهل السد وغيرهم، و"الدمار": الإفساد وهدم البناء وإذهاب العمران، وقوله تعالى: دمر الله عليهم من ذلك، والضمير في قوله تعالى: "أمثالها" يحتمل أن يعود على العاقبة المذكورة، ويصح أن يعود على الفعلة التي يتضمنها قوله تعالى: دمر الله عليهم .
وقوله تعالى: ذلك بأن ابتداء وخبر في "أن"، وهذه الآية نزلت يوم أحد، ومنها انتزع رسول الله صلى الله عليه وسلم رده على حين قال له: أبي سفيان "الله مولانا ولا مولى لكم".
وقوله تعالى: ويأكلون كما تأكل الأنعام ، أي أكلا مجردا من فكرة ونظر، فالتشبيه بالمعنى إنما وقع فيما عدا الأكل من قلة الفكر وعدم النظر، فقوله تعالى: "كما" في موضع الحال، وهذا كما تقول: الجاهل يعيش عيش البهيمة، فأما بمقتضى اللفظ فالجاهل والعالم والبهيمة من حيث لهم عيش فهم سواء، ولكن معنى كلامك: يعيش [ ص: 645 ] عديم النظر والفهم كما تعيش البهيمة. و"المثوى": موضع الإقامة، وقد تقدم القول غير مرة في قوله تعالى: "وكأين"، وضرب الله تعالى لمكة مثلا بالقرى المهلكة على عظمها كقرية قوم عاد وغيرهم، و "أخرجتك" معناه: وقت الهجرة، ونسب الإخراج إلى القرية حملا على اللفظ، وقال: "أهلكناهم" حملا على المعنى، ويقال: إن هذه الآية نزلت إثر خروج النبي صلى الله عليه وسلم من مكة في طريق المدينة، وقيل: نزلت بالمدينة، وقيل: نزلت بعد الحديبية بمكة عام دخلها رسول الله صلى عليه وسلم، وقيل: عام الفتح وهو مقبل إليها، وهذا كله حكمه حكم المدني.