قوله عز وجل:
إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه وتوقروه وتسبحوه بكرة وأصيلا إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم فمن نكث فإنما ينكث على نفسه ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجرا عظيما
[ ص: 671 ] من جعل الشاهد محصل الشهادة من يوم يحصلها، فقوله تعالى: "شاهدا" حال واقعة، ومن جعل الشاهد مؤدي الشهادة فهي حال مستقبلة، وهي التي يسميها النحاة: المقدرة، المعنى: شاهدا على الناس بأعمالهم وأقوالهم حين بلغت إليهم الشرع، ومبشرا أهل الطاعة برحمة الله تعالى، ونذيرا أهل الكفر تنذرهم من عذاب الله عز وجل.
وقرأ جمهور الناس في كل الأمصار: "لتؤمنوا" على مخاطبة الناس، على معنى: قل لهم، وكذلك الأفعال الثلاثة بعد، وقرأ ، أبو عمرو بن العلاء ، وابن كثير : "ليؤمنوا" بالياء على استمرار خطاب وأبو جعفر محمد صلى الله عليه وسلم، وكذلك الأفعال الثلاثة بعد، وقرأ الجحدري: "وتعزروه" بفتح التاء وسكون العين وضم الزاي، وقرأ محمد بن السميفع اليماني، رضي الله عنهما: "وتعززوه" بزاءين، من العزة، وقرأ وابن عباس جعفر بن محمد: "وتعزروه" بفتح التاء وسكون العين وكسر الزاي، ومعنى: "تعزروه" : تعظموه وتكبروه، قاله رضي الله عنهما: وقال ابن عباس : معناه: تنصروه بالقتال، وقال بعض المتأولين: الضمائر في قوله تعالى: قتادة وتعزروه وتوقروه وتسبحوه هي كلها لله تعالى، وقال الجمهور: "تعزروه وتوقروه" هما للنبي صلى الله عليه وسلم، و "تسبحوه" هي لله تعالى، وهي صلاة البردين، وقرأ رضي الله عنه: "وتسبحوا الله"، وفي بعض ما حكى عمر بن الخطاب : "وتسبحون الله" بالنون، وقرأ أبو حاتم رضي الله عنهما: "وليسبحوا الله"، و"البكرة": الغدو، و"الأصيل": "العشي". ابن عباس
وقوله تعالى: إن الذين يبايعونك يريد تعالى: في بيعة الرضوان، وهي بيعة الشجرة حين أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم الأهبة لقتال قريش لما بلغه قتل رضي الله عنه رسوله إليهم، وذلك قبل أن ينصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحديبية، وكان في ألف وأربعمائة رجل، قال عثمان بن عفان : وقيل: كان في ألف وثمانمائة، وقيل: وسبعمائة، وقيل: وستمائة، وقيل: ومائتين، وبايعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على الصبر المتناهي في قتال العدو إلى أقصى الجهد، حتى النقاش قال وغيره: بايعنا [ ص: 672 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم على الموت، سلمة بن الأكوع وقال ، عبد الله بن عمر رضي الله عنهم: وجابر بن عبد الله و"المبايعة" في هذه الآية مفاعلة من البيع; لأن الله تعالى اشترى منهم أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة، وبقي اسم البيعة بعد معاقدة الخلفاء والملوك، وعلى هذا سمت بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على ألا نفر، الخوارج أنفسهم الشراة، أي اشتروا بزعمهم الجنة بأنفسهم، ومعنى إنما يبايعون الله أن صفقتهم إنما يمضيها الله تعالى ويمنح الثمن، وقرأ تمام بن العباس بن عبد المطلب : إنما يبايعون الله ، قال أبو الفتح: ذلك على حذف المفعول لدلالة الأول عليه وقربه منه.
وقوله تعالى: يد الله قال جمهور المتأولين: اليد بمعنى "النعمة"، أي نعمة الله تعالى في نفس هذه المبايعة - لما يستقبل من محاسنها، فوق أيديهم التي مدوها لبيعتك، وقال آخرون: يد الله هنا بمعنى قوة الله تعالى فوق قواهم، أي في نصرك ونصرهم، فالآية - على هذا - تعديد نعمة عليهم مستقبلة مخبر بها، وعلى التأويل الأول تعديد نعمة حاصلة يشرف بها الأمر، قال : يد الله في الثواب فوق أيديهم. وقوله تعالى: النقاش فمن نكث أي فمن نقض هذا العهد فإنما يجني على نفسه، وإياها يهلك، فنكثه عليه لا له، وقرأ جمهور القراء: "بما عاهد عليه الله" بالنصب على التعظيم، وقرأ ابن أبي إسحاق : "بما عاهد عليه الله" بالرفع، على أن الله هو المعاهد، وقرأ حفص عن : "عليه" مضمومة الهاء، وروي ذلك عن عاصم ، و"الأجر العظيم": الجنة، لا يفنى نعيمها ولا ينقضي أمدها. وقرأ ابن إسحاق ، عاصم ، وأبو عمرو ، وحمزة ، والعامة: والكسائي "فسيؤتيه" بالياء، وقرأ ، ابن كثير ، ونافع : "فسنؤتيه" بالنون، وفي مصحف وابن عامر رضي الله عنه: "فسوف يؤتيه الله". عبد الله بن مسعود