قوله عز وجل:
وعدكم الله مغانم كثيرة تأخذونها فعجل لكم هذه وكف أيدي الناس عنكم ولتكون آية للمؤمنين ويهديكم صراطا مستقيما وأخرى لم تقدروا عليها قد أحاط الله بها وكان الله على كل شيء قديرا ولو قاتلكم الذين كفروا لولوا الأدبار ثم لا يجدون وليا ولا نصيرا سنة الله التي قد خلت من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة من بعد أن أظفركم عليهم وكان الله بما تعملون بصيرا
قوله تعالى: وعدكم الله الآية، مخاطبة للمؤمنين ووعد بجميع المغانم التي أخذها المسلمون، ويأخذونها إلى يوم القيامة، قاله وغيره، وقوله تعالى: مجاهد فعجل لكم هذه يريد خيبر، وقال وابنه: المغانم الكثيرة: خيبر، و"هذه" إشارة إلى البيعة والتخلص من أمر قريش، وقوله تعالى: زيد بن أسلم وكف أيدي الناس عنكم يريد من ولي عورة المدينة بعد خروج النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين منها، وذلك أنه كان من أحياء العرب ومن اليهود من يعادي، وكانت قد أمكنتهم فرصة، فكفهم الله تعالى عن ذراري المسلمين وأموالهم، وهذه للمؤمنين العلامة على أن الله تعالى ينصرهم ويلطف بهم، قاله ، وحكى قتادة أنه قال: كف الله تعالى غطفان عن النبي صلى الله عليه وسلم حين جاءوا لنصر أهل خيبر، وذكره الثعلبي ، وقال النقاش أيضا عن بعضهم: إنه أراد كف قريش. الثعلبي
وقوله تعالى: وأخرى لم تقدروا عليها ، قال رضي الله عنهما: الإشارة إلى بلاد فارس والروم، وقال عبد الله بن عباس الضحاك : الإشارة إلى خيبر، وقال [ ص: 681 ] وابن زيد قتادة : الإشارة إلى والحسن مكة، وهذا هو القول الذي يتسق معه المعنى ويتأيد، وقوله تعالى: قد أحاط الله بها معناه: بالقدرة والقهر لأهلها، أي: قد سبق في علمه ذلك وظهر فيها أنهم لم يقدروا عليها.
وقوله تعالى: ولو قاتلكم الذين كفروا لولوا الأدبار ، إشارة إلى قريش ومن والاها في تلك السنة، قاله ، وفي هذا تقوية لنفوس المؤمنين، وقال بعض المفسرين: أراد قتادة الروم وفارس، وهذا ضعيف، وإنما الإشارة إلى العدو الأحضر.
وقوله تعالى: سنة الله إشارة إلى وقعة بدر، وقيل: إشارة إلى عادة الله تعالى من نصرة الأنبياء عليهم السلام قديما، ونصب "سنة" على المصدر، ويجوز الرفع، ولم يقرأ به.
وقوله تعالى: وهو الذي كف أيديهم الآية، روي في سببها أن قريشا جمعت جماعة من فتيانها، وجعلوهم مع ، وخرجوا يطلبون غرة في عسكر رسول الله صلى الله عليه وسلم، واختلف الناس في عدد هؤلاء اختلافا متفاوتا، فلذلك اختصرته، فلما أحس بهم المسلمون وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم في أثرهم عكرمة بن أبي جهل وسماه حينئذ "سيف الله" في جملة من الناس، ففروا أمامهم حتى أدخلوهم بيوت خالد بن الوليد مكة، وأسروا منهم جملة، فسيقوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمن عليهم وأطلقهم، فهذا هو أن كف الله أيديهم عن المسلمين بالرعب، وكف أيدي المسلمين عنهم بالنهي في بيوت مكة وغيرها، وذلك هو "بطن مكة"، وقال : أسر النبي صلى الله عليه وسلم هذه الجملة بالحديبية عند عسكره ومن عليهم، وذلك هو قتادة "بطن مكة"، قال : الحرام كله النقاش مكة، والظفر عليهم هو أسر من أسر منهم، وما في هذه الآية تحريض على العمل الصالح; لأن من استشعر أن الله يبصر عمله أصلحه.
وقرأ الجمهور من القراء: "بما تعملون" بالتاء على الخطاب، وقرأ وحده بالياء على ذكر الكفار وتهددهم. أبو عمرو