ونزلنا من السماء ماء مباركا فأنبتنا به جنات وحب الحصيد والنخل باسقات لها طلع نضيد رزقا للعباد وأحيينا به بلدة ميتا كذلك الخروج كذبت قبلهم قوم نوح وأصحاب الرس وثمود وعاد وفرعون وإخوان لوط وأصحاب الأيكة وقوم تبع كل كذب الرسل فحق وعيد أفعيينا بالخلق الأول بل هم في لبس من خلق جديد
قوله تعالى: ونزلنا من السماء ماء مباركا قيل: يعني جميع المطر، كله يتصف بالبركة، وإن ضر بعضه أحيانا ففيه مع ذلك الضر الخاص البركة العامة، وقال رضي الله عنه: أبو هريرة وقال بعض المفسرين: "ماء مباركا" يريد به ماء مخصوصا خالصا للبركة ينزله الله تعالى كل سنة، وليس كل المطر يتصف بذلك. وحب الحصيد هو البر والشعير ونحوه مما هو نبات محبب يحصد، و"الحصيد" صفة لمحذوف، وقال كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا جاء المطر فسالت الميازيب قال: "لا محل عليكم العام"، : حب الحصيد الحنطة. مجاهد
[ ص: 36 ] و "باسقات" معناه: طويلات ذاهبات في السماء، ومنه قول أبي نوفل في ابن هبيرة :
يابن الذين بجدهم بسقت على قيس فزاره
وروى قطبة بن مالك قال عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قرأ: "باصقات" بالصاد، أبو الفتح: الأصل السين، وإنما الصاد بدل منها لاستعلاء القاف. و "الطلع" أول ظهور التمر في الكفرى وهو أبيض منضد كحب الرمان، فما دام ملتصقا بعضه ببعض فهو نضيد، فإذا خرج من الكفرى تفرق فليس بنضيد. و "رزقا" نصب على المصدر، والضمير في: "به" عائد على المطر، ووصف البلدة بـ "ميت" على تقدير القطر والبلد، وقرأ الناس: "ميتا" مخففا، وقرأ ، أبو جعفر وخالد: "ميتا" بالتثقيل، ثم بين تبارك وتعالى موضع الشبه فقال: "كذلك الخروج"، وهذه الآيات كلها إنما هي و"الخروج" يريد به من القبور. أمثلة وأدلة على البعث،
و"أصحاب الرس" قوم كان لهم بئر عظيمة وهي الرس، وكل ما لم يطو من بئر أو معدن أو نحوه فهو رس، وأنشد أبو عبيدة للنابغة الجعدي :
سبقت إلى فرط ناهل تنابلة يحفرون الرساسا
[ ص: 37 ] وجاءهم نبي يسمى حنظلة بن صفوان فيما روي، فجعلوه في الرس وردموا عليه فأهلكهم الله تعالى، وقال في كتاب كعب الأحبار : أصحاب الرس هم أصحاب الأخدود، وهذا ضعيف; لأن أصحاب الأخدود لم يكذبوا نبيا، إنما هو ملك أحرق قوما، وقال الزهراوي : الضحاك الرس بئر قتل فيها صاحب ياس، قال منذر: وروي عن رضي الله عنهما أنهم قوم ابن عباس عاد.
و"الأيكة" شجر ملتف، وهم قوم شعيب عليه السلام، والألف واللام من "الأيكة" غير معرفتين لأن، "أيكة" اسم علم كطلحة، يقال: أيكة وليكة، فهي كالألف واللام في الشمس والقمر وفي الصفات الغالبة، وفي هذا نظر، وقرأ: "الأيكة" بالهمز ، أبو جعفر ، ونافع وشيبة ، . وطلحة
و"قوم تبع" هم حمير، و"تبع" اسم فيهم، يذهب تبع ويجيء تبع، مثل كسرى في الفرس وقيصر في الروم، وكان أسعد أبو كرب أحد التبابعة رجلا صالحا صحب حبرين فتعلم منهما دين موسى عليه السلام، ثم إن قومه أنكروا عليه ذلك، فندبهم إلى محاجة الحبرين فوقعت بينهم مجادلة عظيمة، واتفقوا على أن يدخلوا جميعهم النار التي في القربان فمن أكلته فهو المبطل، فدخلوا فاحترق قوم تبع وخرج الحبران تعرق جباههما، فهلك القوم المخالفون وآمن سائر قوم تبع بدين الحبرين، وفي الحديث اختلاف كثير أثبت أصح ذلك على ما في سير ابن هشام . وذكر عن الطبري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: سهل بن سعد تبعا فإنه كان قد أسلم"، وذكر "لا تلعنوا عن الثعلبي أن تبعا كان نبيا. ابن عباس
[ ص: 38 ] قوله تعالى: "كل"، قال : التقدير: كلهم، وحذف لدلالة "كل" عليه إيجازا و الوعيد الذي حق: هو ما سبق به القضاء من تعذيب الكفرة وإهلاك الأمم المكذبة، ففي هذا تخويف من كذب سيبويه محمدا صلى الله عليه وسلم.
وقوله تعالى: أفعيينا بالخلق الأول توقيف للكفار وتوبيخ وإقامة للحجة الواضحة عليهم، وذلك أن جوابهم على هذا التوقيف هو: لم يقع عي، ثم هم مع ذلك في لبس من الإعادة، وهذا تناقض، يقال: عيي يعيا إذا عجز عن الأمر، ويدغم هذا الفعل الماضي من هذا الفعل، ولا يدغم المستقبل منه، فيقال: عي، ومنه قول الشاعر :
عيوا بأمرهم كما عيت ببيضتها الحمامه
و "الخلق الأول" إنشاء الإنسان من نطفة على التدريج المعلوم، وقال الخلق الأول الحسن: آدم عليه السلام، وحكاه ، و"اللبس": الشك والريب واختلاط النظر، و"الخلق الجديد": البعث من القبور. الرماني