قوله عز وجل:
يمحق الله الربا ويربي الصدقات والله لا يحب كل كفار أثيم إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون
[ ص: 99 ] "يمحق" معناه: ينقص ويذهب، ومنه محاق القمر وهو انتقاصه، "ويربي الصدقات" معناه: ينميها ويزيد ثوابها تضاعفا، تقول: ربت الصدقة، وأرباها الله تعالى ورباها، وذلك هو التضعيف لمن يشاء، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: . وقد جعل الله هذين الفعلين بعكس ما يظنه الحريص الجشع من بني "إن صدقة أحدكم لتقع في يد الله، فيربيها له كما يربي أحدكم فصيله أو فلوه حتى يجيء يوم القيامة وإن اللقمة لعلى قدر أحد" آدم، يظن الربا يغنيه وهو في الحقيقة ممحق، ويظن الصدقة تفقره وهي نماء في الدنيا والآخرة. [ ص: 100 ] وقرأ "يمحق الله" بضم الياء وكسر الحاء مشددة، "ويربي" بفتح الراء وشد الباء، ورويت عن النبي صلى الله عليه وسلم كذلك. ابن الزبير:
وقوله تعالى: والله لا يحب كل كفار أثيم يقتضي أن الزجر في هذه الآيات للكفار المستحلين، القائلين على جهة التكذيب للشرع: إنما البيع مثل الربا . ووصف الكفار بأثيم، إما مبالغة من حيث اختلف اللفظان، وإما ليذهب الاشتراك الذي في "كفار" إذ قد يقع على الزارع الذي يستر الحب في الأرض. قاله قال: [ ص: 101 ] ومعنى قوله: ابن فورك والله لا يحب أي: لا يحب الكفار الأثيم محسنا صالحا بل يريده مسيئا فاجرا، ويحتمل أن يريد: والله لا يحب توفيق الكفار الأثيم.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذه تأويلات مستكرهة - أما الأول فأفرط في تعدية الفعل، وحمله من المعنى ما لا يحتمله لفظه، وأما الثاني فغير صحيح المعنى، بل الله تعالى يحب التوفيق على العموم ويحببه، والمحب في الشاهد يكون منه ميل إلى المحبوب، ولطف به، وحرص على حفظه، وتظهر دلائل ذلك. والله تعالى يريد وجود الكافر على ما هو عليه وليس له عنده مزية الحب بأفعال تظهر عليه نحو ما ذكرناه في الشاهد وتلك المزية موجودة للمؤمن.
ولما انقضى ذكرهم عقب بذكر ضدهم ليبين ما بين الحالين فقال: "إن الذين آمنوا" الآية، وقد تقدم تفسير مثل ألفاظ هذه الآية، وخص الصلاة والزكاة بالذكر - وقد تضمنهما عمل الصالحات - تشريفا لهما، وتنبيها على قدرهما إنهما رأس الأعمال - الصلاة في أعمال البدن، والزكاة في أعمال المال.