وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة وأن تصدقوا خير لكم إن كنتم تعلمون واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون
حكم الله تعالى لأرباب الربا برؤوس أموالهم عند الواجدين للمال، ثم قال حكم في ذي العسرة بالنظرة إلى حالة اليسر، المهدوي: وقال بعض العلماء: هذه الآية ناسخة لما كان في الجاهلية من بيع من أعسر بدين، وحكى أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر به في صدر الإسلام فإن ثبت فعل النبي صلى الله عليه وسلم فهو نسخ، وإلا فليس بنسخ. مكي
والعسرة. ضيق الحال من جهة عدم المال، ومنه. جيش العسرة.
والنظرة: التأخير، والميسرة: مصدر بمعنى اليسر، وارتفع "ذو عسرة" بكان التامة التي هي بمعنى وجد وحدث، هذا قول سيبويه، وأبي علي، وغيرهما، ومن هنا [ ص: 106 ] يظهر أن الأصل الغنى ووفور الذمة، وأن العدم طارئ حادث يلزم أن يثبت، وقال بعض الكوفيين - حكاه - بل هي كان الناقصة، والخبر محذوف تقديره: وإن كان من غرمائكم ذو عسرة، وارتفع قوله: "فنظرة" على خبر ابتداء مقدر، تقديره: فالواجب نظرة، أو فالحكم نظرة قال الطبري وفي مصحف الطبري: "وإن كان ذا عسرة" على معنى: وإن كان المطلوب. وقرأ أبي بن كعب: "وإن كان معسرا فنظرة" قال الأعمش عن أبو عمرو الداني، أحمد بن موسى: وكذلك في مصحف قال أبي بن كعب، مكي، وعلى هذا يختص لفظ الآية بأهل الربا، وعلى من قرأ: "وإن كان ذو" فهي عامة في جميع من عليه دين، وهذا غير لازم. وحكى والنقاش: المهدوي أن في مصحف "فإن كان" بالفاء "ذو عسرة" بالواو. عثمان
وقراءة الجماعة "نظرة" بكسر الظاء، وقرأ مجاهد، وأبو رجاء، "فنظرة" بسكون الظاء، وكذلك قرأ والحسن: وهي لغة تميمية، وهم الذين يقولون: كرم زيد بمعنى كرم، ويقولون كبد في كبد - وكتف في كتف. الضحاك،
وقرأ "فناظرة" على وزن فاعلة، وقال عطاء بن أبي رباح: هي من أسماء المصادر، كقوله تعالى: الزجاج: ليس لوقعتها كاذبة وكقوله تعالى: تظن أن يفعل بها فاقرة ، وكـ خائنة الأعين وغيره.
وقرأ وحده: "ميسرة" بضم السين، وقرأ باقي السبعة، وجمهور الناس: "ميسرة" بفتح السين، على وزن مفعلة، وهذه القراءة أكثر في كلام نافع العرب، لأن مفعلة بضم العين قليل،
قال قد قالوا: مسربة ومشربة. ولكن مفعلة بفتح العين أكثر في كلامهم. وقرأ أبو علي: أيضا عطاء بن أبي رباح "فناظره إلى ميسره" على الأمر في "ناظره"، [ ص: 107 ] وجعلا الهاء ضمير الغريم، وضما السين من "ميسره"، وكسرا الراء، وجعلا الهاء ضمير الغريم، فأما "ناظره" ففاعله من التأخير، كما تقول: سامحه، وأما "ميسر" فشاذ - قال ومجاهد: ليس في الكلام "مفعل" . قال سيبويه: يريد في الآحاد، فأما في الجمع فقد جاء قول أبو علي: عدي بن زيد:
أبلغ النعمان عني مألكا ... أنه قد طال حبسي وانتظاري
وقول جميل:
بثين - الزمي "لا" إن "لا" إن لزمته ... على كثرة الواشين أي معون
فالأول: جمع مألكة، والآخر: جمع معونة، وقال إن ابن جني: عديا أراد مألكة فحذف، وكذلك جميل أراد: أي معونة، وكذلك قول الآخر:
. . . . . . . . . . . . . . . . ليوم روع أو فعال مكرم
أراد مكرمة فحذف. قال: ويحتمل أن تكون جموعا كما قال أبو علي.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: فإن كان ميسر جمع ميسرة فيجري مجرى هذه الأمثلة، وإن كان قارئه أراد به الإفراد فذلك شاذ، وقد خطأه بعض الناس، وكلام يرده. سيبويه
واختلف أهل العلم - هل هذا الحكم بالنظرة إلى الميسرة واقف على أهل الربا أو هو منسحب على كل ذي دين حال؟ فقال ابن عباس، ذلك في الربا خاصة، وأما الديون وسائر الأمانات فليس فيها نظرة، بل تؤدى إلى أهلها - وكأن هذا [ ص: 108 ] القول يترتب إذا لم يكن فقر مدقع، وأما مع الفقر والعدم الصريح، فالحكم هي النظرة ضرورة. وشريح:
وقال جمهور العلماء: وبذلك فسره النظرة إلى الميسرة حكم ثابت في المعسر سواء كان الدين ربا، أو من تجارة في ذمة، أو من أمانة، الضحاك.
وقوله تعالى: وأن تصدقوا ابتداء وخبره "خير"، وندب الله تعالى بهذه الألفاظ إلى الصدقة على المعسر، وجعل ذلك خيرا من إنظاره. قاله السدي، وابن زيد، وجمهور الناس، وقال والضحاك، وقال آخرون: معنى الآية: وأن تصدقوا على الغني والفقير خير لكم، ثم أدخل الطبري: تحت هذه الترجمة أقوالا الطبري لقتادة، لا يلزم منها ما تضمنته ترجمته، بل هي كقول جمهور الناس، وليس في الآية مدخل للغني. وإبراهيم النخعي
وقرأ جمهور القراء: "تصدقوا" بتشديد الصاد على الإدغام من تتصدقوا، وقرأ "وأن تصدقوا" بتخفيف الصاد، وفي مصحف عاصم: "وأن تتصدقوا" بفك الإدغام. وروى عبد الله بن مسعود: عن سعيد بن المسيب أنه قال: "كان آخر ما أنزل من القرآن آية الربا، وقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يفسرها لنا، فدعوا الربا، والريبة". وقال عمر بن الخطاب "آخر ما نزل آية الربا". ابن عباس:
[ ص: 109 ] قال القاضي أبو محمد رحمه الله.
ومعنى هذا عندي أنها من آخر ما نزل، لأن جمهور الناس - ابن عباس، والسدي، والضحاك، وغيرهم - قالوا: آخر آية نزلت قوله تعالى: وابن جريج، واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله .
وقال بلغني أن أحدث القرآن بالعرش آية الدين. وروي أن قوله: "واتقوا" نزلت قبل موت النبي صلى الله عليه وسلم بتسع ليال، ثم لم ينزل بعدها شيء، وروي: بثلاث ليال، وروي أنها نزلت قبل موته بثلاث ساعات، وأنه قال عليه السلام: سعيد بن المسيب: "اجعلوها بين آية الربا وآية الدين"، وحكى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: مكي "جاءني جبريل فقال: اجعلها على رأس مائتين وثمانين آية من البقرة".
وقوله تعالى: واتقوا وعظ لجميع الناس، وأمر يخص كل إنسان و "يوما" منصوب على المفعول لا على الظرف.
وقرأ "ترجعون" بفتح التاء وكسر الجيم، وقرأ باقي السبعة "ترجعون" بضم التاء وفتح الجيم، فمثل قراءة أبو عمرو بن العلاء: أبي عمرو: إن إلينا إيابهم ومثل قراءة الجماعة: ثم ردوا إلى الله، ولئن رددت إلى ربي . والمخاطبة في القراءتين بالتاء على جهة المبالغة في الوعظ والتحذير. وقرأ "يرجعون" بالياء على معنى يرجع جميع الناس. قال الحسن: كأن الله تعالى رفق بالمؤمنين على أن يواجههم بذكر الرجعة إذ هي مما تنفطر له القلوب، فقال لهم: "واتقوا يوما" ثم رجع [ ص: 110 ] في ذكر الرجعة إلى الغيبة رفقا بهم. وقرأ ابن جني: "يوما تردون" بضم التاء. أبي بن كعب:
وجمهور العلماء على أن هذا اليوم المحذر منه هو يوم القيامة والحساب والتوفية، وقال قوم هو يوم الموت والأول أصح بحكم الألفاظ في الآية، وفي قوله: "إلى الله" مضاف محذوف تقديره: إلى حكم الله، وفصل قضائه، وقوله: "وهم" رد على معنى "كل نفس" لا على اللفظ إلا على قراءة "يرجعون" فقوله: "وهم" رد على ضمير الجماعة في "يرجعون". الحسن
وفي هذه الآية نص على أن وهذا رد على الثواب والعقاب متعلق بكسب الإنسان، الجبرية.