فاليوم لا يؤخذ منكم فدية ولا من الذين كفروا مأواكم النار هي مولاكم وبئس المصير ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون اعلموا أن الله يحيي الأرض بعد موتها قد بينا لكم الآيات لعلكم تعقلون
قوله تعالى: فاليوم لا يؤخذ منكم فدية استمرار في مخاطبة المنافقين، قاله وغيره، وروي في معنى قوله تعالى: قتادة ولا من الذين كفروا حديث. وهو: آدم، لا تشرك بي، فأبيت إلا الشرك، وقرأ جمهور القراء والناس: "يؤخذ" بالياء من تحت، وقرأ أن الله تعالى يقرر الكافر فيقول له: "أرأيتك لو كان لك أضعاف الدنيا أكنت تفتدي بجميع ذلك من عذاب النار؟ فيقول: نعم يا رب، فيقول الله تعالى: قد سألتك ما هو أيسر من ذلك وأنت في صلب أبيك : "تؤخذ" بالتاء من فوق، وهي قراءة أبو جعفر القارئ في رواية ابن عامر هشام عنه. وهي قراءة الحسن، وابن أبي إسحاق ، . والأعرج
قوله تعالى: "هي مولاكم"، قال المفسرون: معناه: هي أولى بكم، وهذا تفسير بالمعنى، وإنما هي استعارة لأنها من حيث تضمهم وتباشرهم هي تواليهم وتكون لهم مكان المولى، وهذا نحو قول الشاعر:
. .. . . . . . . . . . . . تحية بينهم ضرب وجيع
[ ص: 231 ] وقوله تعالى: "ألم يأن" الآية ابتداء معنى مستأنف، وروي أنه كثر الضحك والمزاح في بعض تلك المدة في قوم من شبان المسلمين فنزلت هذه الآية، وقال رضي الله عنه: مل الصحابة ملة فنزلت الآية. ومعنى "ألم يأن" ألم يحن، يقال: أن الشيء يأني إذا حان، ومنه قول الشاعر: ابن مسعود
تمخضت المنون له بيوم أنى ولكل حاملة تمام
وقرأ "الما يأن" وروي عنه أنه قرأ: "ألم يئن"، وهذه الآية على معنى الحض والتقريع، قال الحسن بن أبي الحسن: رضي الله عنهما: عوتب المؤمنون بهذه الآية بعد ثلاث عشرة سنة من نزول القرآن، وسمع ابن عباس الفضل بن موسى قارئا يقرأ هذه الآية والفضل يحاول معصية فكانت الآية سبب توبته، وحكى عن الثعلبي أنه في صباه حرك العود ليضربه فإذا به قد نطق بهذه الآية فتاب ابن المبارك وكسر العود وجاءه التوفيق. ابن المبارك
و"الخشوع": الإخبات والتطامن، وهي هيئة تظهر في الجوارح متى كانت في القلب، فلذلك خص تعالى القلب بالذكر، وروى شداد بن أوس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: وقوله تعالى: "لذكر الله" أي: لأجل ذكر الله ووحيه الذي بين أظهرهم، ويحتمل أن يكون المعنى: لأجل تذكير الله إياهم وأمره فيهم، وقرأ "أول ما يرفع من الناس الخشوع"، في رواية عاصم حفص : "وما نزل" مخفف الزاي، وقرأ الباقون، وأبو بكر عن : "وما نزل" بتشديد الزاي، على معنى: نزل الله من الحق، وقرأ عاصم -في رواية أبو عمرو عياش- وهي قراءة الجحدري، "وما نزل" بكسر الزاي وشدها. وقرأ وابن القعقاع: ، نافع ، وأبو عمرو ، والأعرج : "ولا يكونوا" بالياء على ذكر [ ص: 232 ] الغائب، وقرأ وأبو جعفر -فيما روى عنه سليم- "ولا تكونوا" على مخاطبة الحضور. حمزة
والإشارة في قوله تبارك تعالى: كالذين أوتوا الكتاب إلى بني إسرائيل المعاصرين لموسى عليه الصلاة والسلام، وذلك قال: "من قبل"، وإنما شبه أهل عصر نبي بأهل عصر نبي آخر. و"الأمد" قيل: معناه انتظار الفتح، وقيل: انتظار القيامة، وقيل: أمد الحياة، و"قست" معناه: صلبت وقل خيرها وانفعالها للطاعات وسكنت إلى معاصي الله تعالى ففعلوا من العصيان والمخالفة ما هو مأثور عنهم.
وقوله تعالى: اعلموا أن الله يحيي الأرض بعد موتها الآية مخاطبة لهؤلاء المؤمنين الذين ندبوا إلى الخشوع، وهذا ضرب مثل واستدعاء إلى الخير برفق وتقريب بليغ، أي: لا يبعد عنكم أيها التاركون للخشوع رجوعكم إليه وتلبسكم به، فإن الله يحيي الأرض بعد موتها، وكذلك يفعل بالقلوب، ويردها إلى الخشوع بعد بعدها عنه، وترجع هي إليه إذا وقعت الإنابة والتكسب من العبد بعد نفورها منه كما يحيي الأرض بعد أن كانت ميتة غبراء، وباقي الآية بين.