قوله عز وجل:
يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه وليكتب بينكم كاتب بالعدل ولا يأب كاتب أن يكتب كما علمه الله فليكتب
قال رضي الله عنه: نزلت هذه الآية في السلم خاصة، معناه أن سلم أهل ابن عباس المدينة كان بسبب هذه الآية، ثم هي تتناول جميع المداينات إجماعا.
وبين تعالى بقوله: "بدين" ما في قوله: "تداينتم" من الاشتراك، إذ قد يقال في كلام [ ص: 111 ] العرب: تداينوا بمعنى: جازى بعضهم بعضا.
ووصفه الأجل بـ "مسمى" دليل على أن الجهالة لا تجوز، فكأن الآية رفضتها، وإذا لم تكن تسمية وحد فليس هناك أجل - وذهب بعض الناس إلى أن كتب الديون واجب على أربابها فرض بهذه الآية، وذهب إلى أن ذلك وجب بهذه الألفاظ، ثم خففه الله تعالى بقوله: الربيع فإن أمن بعضكم بعضا ، وقال كانوا يرون أن قوله: الشعبي: فإن أمن ناسخ لأمره بالكتب، وحكى نحوه وقاله ابن جريج، وروي عن ابن زيد، وقال جمهور العلماء: الأمر بالكتب ندب إلى حفظ الأموال وإزالة الريب، وإذا كان الغريم تقيا فما يضره الكتاب، وإن كان غير ذلك فالكتب ثقاف في دينه، وحاجة صاحب الحق، وقال بعضهم: إن أشهدت فحزم، وإن ائتمنت ففي حل وسعة، وهذا هو القول الصحيح، ولا يترتب نسخ في هذا لأن الله تعالى ندب إلى الكتب فيما للمرء أن يهبه ويتركه بإجماع، فندبه إنما هو على جهة الحيطة للناس. أبي سعيد الخدري،
ثم أخبر تعالى أنه سيقع الائتمان فقال: إن وقع ذلك فليؤد - الآية، فهذه وصية للذين عليهم الديون، ولم يجزم تعالى الأمر نصا بألا يكتب إذا وقع الائتمان.
وأما رحمه الله فذهب إلى أن الأمر بالكتب فرض واجب، وطول في الاحتجاج، وظاهر قوله أنه يعتقد الأوامر على الوجوب حتى يقوم دليل على غير ذلك. الطبري
واختلف الناس في قوله تعالى: وليكتب بينكم فقال وغيره: واجب على الكاتب أن يكتب، وقال عطاء الشعبي: أيضا: إذا لم يوجد كاتب سواه فواجب عليه أن يكتب، فقال وعطاء هو واجب مع الفراغ. [ ص: 112 ] وقوله تعالى: السدي: بالعدل ، معناه: بالحق والمعدلة، والباء متعلقة بقوله تعالى: وليكتب ، وليست متعلقة بـ "كاتب" ، لأنه كان يلزم أن لا يكتب وثيقة إلا العدل في نفسه، وقد يكتبها الصبي والعبد والمسخوط إذا أقاموا فقهها، أما المنتصبون لكتبها فلا يجوز للولاة أن يتركوهم إلا عدولا مرضيين، وقال رحمه الله: لا يكتب الوثائق من الناس إلا عارف بها، عدل في نفسه، مأمون، لقوله تعالى: مالك وليكتب بينكم كاتب بالعدل .
ثم نهى الله تعالى الكاتب عن الإباية، وأبى يأبى شاذ لم يجئ إلا قلى يقلى وأبى يأبى، ولا يجيء فعل يفعل بفتح العين في المضارع إلا إذا رده حرف حلق، قال : والقول في أبى - أن الألف فيه أشبهت الهمزة فلذلك جاء مضارعه يفعل بفتح العين. وحكى الزجاج المهدوي عن الربيع أن قوله والضحاك ولا يأب منسوخ بقوله: ولا يضار كاتب ولا شهيد .
والكاف من قوله: كما علمه الله متعلقة بقوله أن يكتب ، المعنى: كتبا كما علمه الله، هذا قول بعضهم، ويحتمل أن تكون "كما" متعلقة بما في قوله: ولا يأب من المعنى، أي كما أنعم الله عليه بعلم الكتابة فلا يأب هو وليفضل كما أفضل الله عليه، ويحتمل أن يكون الكلام على هذا المعنى تاما عند قوله: أن يكتب ، ثم يكون قوله: كما علمه الله ابتداء كلام، وتكون الكاف متعلقة بقوله: "فليكتب"، أما [ ص: 113 ] إذا أمكن الكتاب فليس يجب الكتب على معين، ولا وجوب الندب، بل له الامتناع، إلا إن استأجره، وأما إذا عدم الكاتب فيتوجه وجوب الندب حينئذ على الحاضر، وأما الكتب في الجملة فندب كقوله تعالى: وافعلوا الخير وهو من باب عون الضائع.