ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا ما لكم لا ترجون لله وقارا وقد خلقكم أطوارا ألم تروا كيف خلق الله سبع سماوات طباقا وجعل القمر فيهن نورا وجعل الشمس سراجا والله أنبتكم من الأرض نباتا ثم يعيدكم فيها ويخرجكم إخراجا والله جعل لكم الأرض بساطا لتسلكوا منها سبلا فجاجا
وعدهم بالأموال والبنين والجنات والأنهار لمكان حبهم للدنيا، واختلف الناس في معنى قوله تعالى حكاية عن نوح عليه السلام: ما لكم لا ترجون لله وقارا ، فقال وغيره: معناه: تخافون، ومنه قول أبو عبيدة الهذلي :
إذا لسعته النحل لم يرج لسعها ... وخالفها في بيت نوب عوامل
قالوا: و"الوقار" العظمة والسلطان، فكأن الكلام -على هذا- وعيد وتخويف. وقال بعض العلماء: "ترجون" على بابها في الرجاء، وكأنه قال: ما لكم لا تجعلون رجاءكم لله تعالى وللقائه، و"وقارا" ويكون -على هذا التأويل- منهم، كأنه [ ص: 419 ] يقول: تؤدة منكم وتمكنا في النظر; لأن الكفر مضمنه الخفة والطيش وركوب الرأس. وقوله تعالى: وقد خلقكم أطوارا ، قال ، ابن عباس : هي إشارة إلى التدريج الذي للإنسان في بطن أمه من النطفة والعلقة والمضغة، وقال جماعة من أهل التأويل: هي إشارة إلى العبرة في اختلاف ألوان الناس وخلقهم ومللهم، و"الأطوار": الأحوال المختلفة، ومنه قول ومجاهد : النابغة
فإن أفاق فقد طارت عمايته ... والمرء يخلق طورا بعد أطوار
وقرأ الجمهور: "ألم تروا" بالتاء، وقرأت فرقة بالياء على فعل الغائب، و"طباقا" قيل: هو مصدر، أي: مطابقة، جعل كل واحدة طبقا للأخرى، ونحو قول امرئ القيس:
. . . . . . . . . . . . طبق الأرض تحرى وتدر
وقيل هو جمع "طبق"، وهو نعت لـ "سبع"، وقرأ " "طباق" بالخفض على النعت لـ "سماوات"، وقوله تعالى: وجعل القمر فيهن ساغ نورا ساغ ذلك لأن القمر من حيث هو في إحداها فهو في الجميع، ويروى أن القمر في السماء الدنيا، وقال ابن أبي عبلة ، عبد الله بن عباس وعبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهم: إن الشمس والقمر أقفاؤهما إلى الأرض وإقبال نورهما وارتفاعه في السماء، وهذا الذي تقتضيه لفظة السراج، وقيل: إن الشمس في السماء الخامسة، وقيل: في الرابعة، وقال عبد الله بن [ ص: 420 ] عمرو : هي في الشتاء في الرابعة، وفي الصيف في السابعة.
وقوله تعالى: أنبتكم من الأرض نباتا استعارة، من حيث أخذ آدم عليه السلام من الأرض ثم صار الجميع نابتا منه، وقوله: "نباتا" مصدر جار على غير المصدر، والتقدير: فنبتم نباتا، و"الإعادة فيها" هي بالدفن فيها الذي هو عرف البشر، و"الإخراج" هو البعث يوم القيامة لموقف العرض والجزاء.
وقوله تعالى: "بساطا" يقتضي ظاهره أن الأرض بسيطة كروية، واعتقاد أحد الأمرين غير قادح في الشرع بنفسه اللهم إلا أن يتركب على القول بالكروية نظر فاسد، وأما اعتقاد كونها بسيطة فهو ظاهر كتاب الله تعالى، وهو الذي لا يلحق عنه فساد البتة، واستدل على صحة ذلك بماء البحر المحيط بالمعمور فقال: لو كانت الأرض كروية لما استقر الماء عليها. و"السبل": الطرق، و"الفجاج": الواسعة. ابن مجاهد