قوله عز وجل:
إلا بلاغا من الله ورسالاته ومن يعص الله ورسوله فإن له نار جهنم خالدين فيها أبدا حتى إذا رأوا ما يوعدون فسيعلمون من أضعف ناصرا وأقل عددا قل إن أدري أقريب ما توعدون أم يجعل له ربي أمدا عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا ليعلم أن قد أبلغوا رسالات ربهم وأحاط بما لديهم وأحصى كل شيء عددا
اختلف الناس في قوله تعالى "إلا بلاغا"، فقال ما معناه: إنه استثناء منقطع، والمعنى: لن يجيرني من الله أحد إلا بلاغا، فإني إن بلغت رحمني بذلك، والإجارة للبلاغ مستعارة إذ هو سبب إجارة الله تعالى ورحمته، وقال بعض النحاة: على هذا المعنى هو استثناء متصل، والمعنى: لن أجد ملتحدا إلا بلاغا، أي: شيئا أميل إليه وأعتصم به إلا أن أبلغ وأطيع فيجيرني الله. وقال الحسن : التقدير: لا أملك إلا بلاغا فأما الإيمان أو الكفر فلا أملكه، وقال بعض المتأولين: "إلا" بتقدير الانفصال، و"لن" شرط، و"لا" نافية، كأنه يقول: ولن أجد ملتحدا إن لم أبلغ من الله ورسالاته، و"من" في قوله. "من الله" لابتداء الغاية، وقوله: قتادة ومن يعص الله يريد الكفر بدليل الخلود المذكور، وقرأ طلحة : "فإن له" على معنى: فجزاؤه أن له. وابن مصرف
قوله تعالى: حتى إذا رأوا ، ساق الفعل في صيغة الماضي تحقيقا لوقوعه، وقوله سبحانه: من أضعف يحتمل أن تكون "من" في موضع رفع على الاستفهام والابتداء، و"أضعف" خبرها، ويحتمل أن تكون "من" في موضع نصب بقوله: "فسيعلمون"، و"أضعف" خبر ابتداء مضمر.
ثم أمره الله تعالى بالتبري من معرفة الغيب في وقت عذابهم الذي وعدوا به، و"الأمد: المدة والغاية، و"عالم" يحتمل أن يكون بدلا من "ربي"، ويحتمل أن يكون خبر ابتداء مضمر على القطع، وقرأ : "عالم" على الفعل الماضي ونصب الباء، وقرأ [ ص: 438 ] السدي "فلا يظهر" بفتح الياء والهاء "أحد" بالرفع، وقوله تعالى: الحسن: إلا من ارتضى من رسول معناه: فإنه يظهره على ما شاء مما هو قليل من كثير، ثم يبث الله تعالى حول ذلك الملك الرسول حفظة رصدا لإبليس وحزبه من الجن والإنس.
وقوله تعالى: "ليعلم"، قال : معناه: ليعلم قتادة محمد أن الرسل قد أبلغوا رسالات ربهم وحفظوا ومنع منهم، وقال : معناه: يعلم سعيد بن جبير محمد أن الملائكة الحفظة الرصد النازلين بين يديه جبريل عليه السلام- وخلفه قد أبلغوا رسالات ربهم، وقال : ليعلم من كذب أو أنكر أن الرسل قد بلغت. مجاهد
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وهذا العلم لا يقع لهم إلا في الآخرة.
وقيل: المعنى: ليعلم الله رسله مبلغين خارجين إلى الوجود، لأن علمه سبحانه بكل شيء قد تقدم، وقرأ الجمهور: "ليعلم" بفتح اللام أي: ليعلم الله تعالى، وقرأ رضي الله عنهما: "ليعلم" بضم الياء، وقرأ ابن عباس أبو حيوة: "رسالة ربهم" على التوحيد، وقرأ : "وأحيط" على ما لم يسم فاعله، وقوله تعالى: ابن أبي عبلة وأحصى كل شيء عددا معناه: كل شيء معدود، وقوله تعالى: ليعلم أن قد الآية، مضمنه أنه تعالى قد علم ذلك، فعلى هذا الفعل المضمر انعطف "أحاط أحصى"، والله تعالى المرشد بمنه وكرمه .
كمل تفسير سورة [الجن] والحمد لله رب العالمين