إن هؤلاء يحبون العاجلة ويذرون وراءهم يوما ثقيلا نحن خلقناهم وشددنا أسرهم وإذا شئنا بدلنا أمثالهم تبديلا إن هذه تذكرة فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا وما تشاءون إلا أن يشاء الله إن الله كان عليما حكيما يدخل من يشاء في رحمته والظالمين أعد لهم عذابا أليما
الإشارة بـ "هؤلاء" إلى كفار قريش، و"العاجلة" الدنيا، وحبهم لها، أنهم لا يعتقدون غيرها، ويذرون وراءهم معناه: فيما يأتي من الزمن بعد موتهم، وقال لبيد : [ ص: 499 ]
أليس ورائي إن تراخت منيتي لزوم العصا تحنى عليها الأصابع
ووصف اليوم بالثقل على جهة النسب، أي: ذا ثقل من حيث الثقل فيه على الكفار، فهو كليل نائم.
ثم عدد النعمة على عباده في خلقهم وإيجادهم وإتقان بنيتهم وشد خلقتهم، و"الأسر": الخلقة واتساق الأعضاء والمفاصل، وقد قال ، أبو هريرة ، والحسن : الأسر: المفاصل والأوصال, وقد قال بعضهم: الأسر: القوة، ومنه قول الشاعر: والربيع
فأنجاه غداة الموت مني شديد الأسر عض على اللجام
وقول الآخر :
من كل مجتنب شديد أسره سلس القياد تخاله مختالا
قال : ومنه قول العامة: "خذه بأسره" يريدون: خذه كله. الطبري
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وأصل هذا في ما له شد ورباط كالعظم ونحوه، وليس هذا مما يختص بالعامة، بل [ ص: 500 ] هو من فصيح كلام العرب. اللهم إلا أن يريد بالعامة جمهور العرب ومن اللفظة "الإسار" وهو القيد الذي يشد به الأسير.
ثم توعد تعالى بالتبديل واجتمع من القولين تعديد النعمة أي من هذا الإيجاد والتبديل -إذا شاء- في قدرته، فكيف تتعذر عليه الإعادة؟. والوعيد بالتبدل احتجاج على منكري البعث،
وقوله تعالى: إن هذه تذكرة يحتمل أن يشير إلى هذه الآية أو إلى السورة بأسرها أو إلى الشريعة بجملتها, وقوله تعالى: فمن شاء ليس على جهة التخيير بل فيه قرينة التحذير والحض على اتخاذ السبيل، و"السبيل" هنا: ليس النجاة.
وقوله تعالى: وما تشاءون إلا أن يشاء الله نفي لقدرتهم على الاختراع وإيجاد المعاني في نفوسهم، ولا يرد هذا وجود ما لهم من الاكتساب والميل إلى الكفر, وقرأ "وما تشاءون إلا ما شاء الله", وقرأ عبد الله "تشاءون" بكسر التاء. وقوله تعالى: يحيى بن وثاب عليما حكيما معناه يعلم ما ينبغي أن ييسر عبده إليه، وفي ذلك حكمة لا يعلمها إلا هو.
و"الظالمين" نصب بإضمار فعل تقديره: ويعذب الظالمين أعد لهم، وفي قراءة "وللظالمين أعد لهم" بتكرير اللام، وقرأ جمهور السبعة "وما تشاءون" بالتاء على المخاطبة, وقرأ ابن مسعود ابن كثير "يشاءون" بالياء، وقرأ وأبو عمرو ابن الزبير وأبان بن عثمان "والظالمون" بالرفع، قال وابن أبي عبلة أبو الفتح: وذلك على ارتجال جملة مستأنفة.
تم تفسير سورة [الإنسان] والحمد لله رب العالمين