قوله عز وجل:
يوم يقوم الروح والملائكة صفا لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا ذلك اليوم الحق فمن شاء اتخذ إلى ربه مآبا إنا أنذرناكم عذابا قريبا يوم ينظر المرء ما قدمت يداه ويقول الكافر يا ليتني كنت ترابا
اختلف الناس في "الروح" المذكورة في هذا الموضع- فقال الشعبي : هو والضحاك جبريل عليه السلام، ذكره خاصة من بين الملائكة تشريفا، وقال : هو ملك عظيم، أكبر الملائكة خلقة يسمى "بالروح"، وقال ابن مسعود : كان أبي يقول هو القرآن، وقد قال الله تعالى: ابن زيد أوحينا إليك روحا من أمرنا
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
فالقيام فيه مستعار يراد بيانه وظهوره وشدة آثاره، والأشياء الكائنة عن تصديقه أو تكذيبه، ومع هذا في القول قلق، وقال : الروح خلق على صورة بني مجاهد آدم يأكلون ويشربون، وقال عن النبي صلى الله عليه وسلم: ابن عباس "الروح خلق غير الملائكة، وحفظة للملائكة كما الملائكة حفظة للأنبياء ولنا"، وقال ، ابن عباس ، والحسن : الروح وقتادة
[ ص: 524 ] هنا اسم جنس: يراد به أرواح بني آدم، والمعنى: يوم تقوم الروح في أجسادها إثر البعث والنشأة الآخرة، ويكون الجميع من الإنس والملائكة صفا، ولا يتكلم أحد هيبة وفزعا، إلا من أذن له الرحمن من ملك أو نبي، وكان أهلا أن يقول صوابا في ذلك الموطن، وقال رضي الله عنهما: الضمير في "يتكلمون" عائد على الناس خاصة و"الصواب" المشار إليه هو "لا إله إلا الله"، قال ابن عباس : أي قالها في الدنيا. عكرمة
وقوله تعالى: "ذلك اليوم الحق" أي: الحق كونه ووجوده، وفي قوله تعالى: فمن شاء اتخذ إلى ربه مآبا وعد ووعيد وتحريض، و"المآب" : المرجع وموضع الأوبة، والضمير الذي هو الكاف والميم في "أنذرتكم" هو لجميع العالم وإن كانت المخاطبة لمن حضر النبي صلى الله عليه وسلم من الكفار، و"العذاب القريب" عذاب الآخرة، ووصفه بالقرب لتحقق وقوعه، وأنه آت وكل آت قريب، والجميع داخل في النذارة منه، "ونظر المرء إلى ما قدمت يداه من عمل" قيام للحجة عليه، وقال رضي الله عنهما: "المرء" هنا المؤمن، وقرأ ابن عباس ابن أبي إسحاق : "المرء" بضم الميم، وضعفها . وقوله تعالى: أبو حاتم ويقول الكافر يا ليتني كنت ترابا قيل: وهذا قد نجده في الخائفين من المؤمنين، فقد قال إن هذا تمن أن يكون شيئا حقيرا لا يحاسب ولا يلتفت إليه، رضي الله عنه: "ليتني كنت بعرة"، وقال عمر بن الخطاب ، أبو هريرة رضي الله عنهما: إن الله تعالى يحضر البهائم يوم القيامة فيقتص لبعضها من بعض، ثم يقول لها بعد ذلك: كوني ترابا، فيعود جميعها ترابا، فإذا رأى الكفار ذلك تمنى مثله، قال وعبد الله بن عمر رأيت في بعض التفاسير أن الكافر هنا إبليس إذا رأى ما حصل للمؤمنين من بني أبو القاسم بن حبيب: آدم من الثواب قال: يا ليتني كنت ترابا، أي كآدم الذي خلق من تراب واحتقره هو أولا.
كمل تفسير [سورة النبإ] والحمد لله رب العالمين.