تفسير سورة الانفطار
وهي مكية بإجماع من المفسرين.
قوله عز وجل:
إذا السماء انفطرت وإذا الكواكب انتثرت وإذا البحار فجرت وإذا القبور بعثرت علمت نفس ما قدمت وأخرت يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم الذي خلقك فسواك فعدلك في أي صورة ما شاء ركبك كلا بل تكذبون بالدين وإن عليكم لحافظين كراما كاتبين يعلمون ما تفعلون
هذه و"انفطار السماء" تشققها على غير نظام مقصود إنما هو انشقاق لتزول زينتها. و"انتثار الكواكب" سقوطها من مواضعها التي هي فيها كنظام. و"تفجير البحار" يحتمل أن يكون من امتلائها فتفجر من أعاليها وتفيض على ما يليها، ويحتمل أن يكون تفجير تفريع من قيعانها فيذهب الله تعالى ماءها حيث شاء، وقيل: يفجر بعضها إلى بعض فيختلط العذب بالملح وتصير واحدا، وهذا نحو الاختلاف في "سجرت" في السورة التي قبل. وقرأ أوصاف يوم القيامة. مجاهد بن خيثم: "فجرت" بتخفيف الجيم. و"بعثرة القبور" نبشها عن الموتى الذين فيها. والربيع
وقوله تعالى: "علمت نفس" هو جواب "إذا"، و"نفس" هنا اسم الجنس: وإفرادها ليبين لذهن السامع حقارتها وقلتها وضعفها عن منفعة ذاتها إلا من رحم الله تعالى، وقال كثير من المفسرين في معنى قوله تعالى: ما قدمت وأخرت : إنها عبارة عن جميع الأعمال; لأن وقال هذا التقسيم يعم الطاعات المعمولة والمتروكة، وكذلك المعاصي. ابن عباس : معناه: ومحمد بن كعب القرظي
ما قدمت في حياتها وما أخرت ... مما سنته فعمل به بعد موتها.
ثم خاطب تعالى جنس ابن آدم فوقفه -على جهة التوبيخ والتنبيه- على أي شيء [ ص: 554 ] أوجب أن يغتر بربه الكريم فيعصيه ويجعل له ندا، وغير ذلك من أنواع الكفر، وهو الخالق الموجد بعد العدم. وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ: " ما غرك بربك الكريم" فقال: جهله، وقاله رضي الله عنه وقرأ عمر إنه كان ظلوما جهولا ، وقال : غره عدوه المسلط عليه، وقال بعض العلماء: غره ستر الله تعالى عليه، وقال غيره: غره كرم الله تعالى. ولفظة "الكريم" تلقن هذا الجواب، فهذا من قتادة وقرأ لطف الله عز وجل بعباده العصاة من المؤمنين. ، ابن جبير : "ما أغرك" على وزن أفعلك، والمعنى: ما دعاك إلى الاغترار؟ أن يكون المعنى تعجبا محضا. وقرأ الجمهور: "فعدلك" بشد الدال، وقرأ الكوفيون، والأعمش ، والحسن ، وأبو جعفر ، وطلحة ، والأعمش ، وأبو رجاء ، وعيسى : "فعدلك" بتخفيف الدال، والمعنى: عدل أعضاءك بعضها ببعض، أي وازن بينها. قوله تعالى: وعمرو بن عبيد في أي صورة ما شاء ركبك ، ذهب الجمهور إلى أن "في" متعلقة بـ "ركبك"، أي: في صورة قبيحة أو حسنة أو مشوهة أو سليمة ونحو ذلك، وذهب بعض المتأولين إلى أن المعنى: فعدلك في أي صورة، بمعنى: إلى أي صورة، حتى قال بعضهم: المعنى: لم يجعلك في صورة خنزير ولا حمار، وذهب بعض المتأولين إلى أن المعنى الوعيد والتهديد، أي: الذي إن شاء ركبك في صورة حمار أو خنزير أو غيره، و"ما" في قوله تعالى: "ما شاء" زائدة، فيها معنى التأكيد والتركيب والتأليف وجمع شيء إلى شيء، وروى خارجة عن : "ركبك كلا" بإدغام الكاف في الكاف. ثم رد تعالى على سائر أقوالهم ورد عنها بقوله سبحانه: "كلا"، ثم أثبت تعالى لهم تكذيبهم بالدين، وهذا الخطاب عام ومعناه الخصوص في الكفار، وقرأ جمهور الناس: "تكذبون" بالتاء من فوق، وقرأ نافع الحسن : "يكذبون" بالياء، و"الدين" هنا يحتمل أن يريد الشرع، ويحتمل أن يريد الجزاء والحساب. وأبو جعفر
آدم، ووصفهم تعالى بالكرم الذي هو نفي المذام، و"يعلمون ما يفعلون" لمشاهدتهم حال بني و"الحافظون" هم الملائكة الذين يكتبون أعمال ابن آدم، ووصفهم تعالى بالكرم الذي هو نفى المذام و"يعملون ما يفعلون" لمشاهدتهم حال بني آدم، وقد روي [ ص: 555 ] حديث ذكره يقتضي أن العبد إذا عمل سيئة مما لا ترى ولا تسمع، مثل الخواطر المستصحبة ونحوها أن الملك يجد ريح تلك الخطيئة بإدراك قد خلقه الله تعالى لهم. سفيان