وقرأ نافع وأبو عمرو، وابن عامر، "تظلمون" بالتاء على الخطاب، وقرأ وعاصم: ابن كثير، وحمزة، "يظلمون" بالياء على ترك المخاطبة وذكر الغائب. والكسائي:
[ ص: 606 ] والفتيل: الخيط في شق نواة التمرة، وقد تقدم القول فيه.
و أينما تكونوا يدرككم الموت جزاء وجوابه، وهكذا قراءة الجمهور، وقرأ طلحة بن سليمان: "يدرككم" بضم الكافين ورفع الفعل. قال أبو الفتح: ذلك على تقدير دخول الفاء كأنه قال: فيدرككم الموت، وهي قراءة ضعيفة. وهذا إخبار من الله يتضمن تحقير الدنيا، وأنه لا منجى من الفناء والتنقل.
واختلف المتأولون في قوله: "في بروج"، فالأكثر والأصح أنه أراد البروج والحصون التي في الأرض المبنية، لأنها غاية البشر في التحصن والمنعة، فمثل الله لهم بها، قال المعنى: في قصور محصنة، وقاله قتادة: والجمهور. وقال ابن جريج، هي بروج في السماء الدنيا مبنية، وحكى السدي: هذا القول عن مكي وأنه قال: ألا ترى إلى قوله: مالك، والسماء ذات البروج . وحكى عن النقاش أنه قال: ابن عباس في بروج مشيدة معناه: في قصور من حديد.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وهذا لا يعطيه اللفظ، وإنما البروج في القرآن إذا وردت مقترنة بذكر السماء بروج المنازل للقمر وغيره، على ما سمتها العرب وعرفتها. وبرج معناه: ظهر، ومنه البروج، أي: المطولة الظاهرة، ومنه تبرج المرأة.
و"مشيدة" قال وغيره: معناه مرفوعة مطولة، لأن "شاد الرجل البناء" إذا صنعه بالشيد، وهو الجص، و"أشاد" و"شيد" إذا رفعه وعلاه، ومنه "أشاد الرجل ذكر الرجل" إذا رفعه، وقالت طائفة: "مشيدة" معناه: محسنة بالشيد، وذلك عندهم أن "شاد الرجل" معناه: جصص بالشيد، وشيد معناه: كرر ذلك الفعل، فهي للمبالغة، كما تقول: "كسرت العود مرة"، و"كسرته في مواضع منه كثيرة مرارا"، و"خرقت الثوب وخرقته" إذا كان الخرق منه في مواضع كثيرة، فعلى هذا يصح أن تقول: "شاد الرجل الجدار مرة"، و"شيد الرجل الجدار" إذا أردت المبالغة، لأن [ ص: 607 ] التشييد منه وقع في مواضع كثيرة، ومن هذا المعنى قول الشاعر : الزجاج
شاده مرمرا وجلله كلـ سا فللطير في ذراه وكور
والهاء والميم في قوله: "وإن تصبهم" رد على الذين قيل لهم: "كفوا أيديكم"، وهذا يدل على أنهم المنافقون، لأن المؤمنين لا تليق بهم هذه المقالة، ولأن اليهود لم يكونوا للنبي عليه الصلاة والسلام تحت أمر، فتصيبهم بسببه أسواء، ومعنى الآية: وإن تصب هؤلاء المنافقين حسنة من هزم عدو، أو غنيمة أو غير ذلك رأوا أن ذلك بالاتفاق من صنع الله، لا أنه ببركة اتباعك والإيمان بك، وإن تصبهم سيئة، أي: هزيمة، أو شدة جوع، وغير ذلك، قالوا: هذه بسببك لسوء تدبيرك، كذا قال وقيل: لشؤمك علينا، قاله ابن زيد، وغيره. الزجاج
وقوله: قل كل من عند الله إعلام من الله تعالى أن الخير والشر، والحسنة والسيئة خلق له ومن عنده، لا رب غيره، ولا خالق ولا مخترع سواه، فالمعنى: قل يا محمد لهؤلاء: ليس الأمر كما زعمتم من عندي، ولا من عند غيري، بل هو كله من عند الله، قال النعم والمصائب من عند الله، قال قتادة: النصر والهزيمة، قال ابن زيد: السيئة والحسنة. ابن عباس:
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وهذا كله شيء واحد.
ثم وبخهم بالاستفهام عن علة جهلهم، وقلة فهمهم وتحصيلهم لما يخبرون به من الحقائق، والفقه في اللغة: الفهم، وأوقفته الشريعة على الفهم في الدين وأموره، وغلب عليه بعد الاستعمال في علم المسائل الأحكامية. والبلاغة في الاستفهام عن قلة [ ص: 608 ] فقههم بينة، لأنك إذا استفهمت عن علة أمر ما فقد تضمن كلامك إيجاب ذلك الأمر تضمنا لطيفا بليغا.
ووقف أبو عمرو، على قوله: "فما"، ووقف الباقون على اللام في قوله: "فمال" اتباعا للخط، ومنعه قوم جملة، لأنه حرف جر فهي بعض المجرور، وهذا كله بحسب ضرورة وانقطاع نفس، وأما أن يختار أحد الوقف فيما ذكرناه ابتداء فلا. والكسائي