[ ص: 38 ] قوله عز وجل:
nindex.php?page=treesubj&link=28803_31908_31928_32463_34444_34513_28978nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=142وواعدنا موسى ثلاثين ليلة وأتممناها بعشر فتم ميقات ربه أربعين ليلة وقال موسى لأخيه هارون اخلفني في قومي وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين nindex.php?page=treesubj&link=20009_28725_28743_31910_31928_31929_32412_32456_33143_33177_34273_34513_28978nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=143ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه قال رب أرني أنظر إليك قال لن تراني ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا وخر موسى صعقا فلما أفاق قال سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين
قرأ
nindex.php?page=showalam&ids=12114أبو عمرو ،
nindex.php?page=showalam&ids=34وأبي بن كعب ،
nindex.php?page=showalam&ids=12004وأبو رجاء ،
nindex.php?page=showalam&ids=11962وأبو جعفر ،
وشيبة : "ووعدنا" ، وقد تقدم في البقرة، وأخبر الله تعالى موسى عليه السلام بأن يتهيأ لمناجاته ثلاثين ليلة، ثم زاده في الأجل بعد ذلك عشر ليال، فذكر أن موسى عليه السلام أعلم بني إسرائيل بمغيبه ثلاثين ليلة، فلما زاده العشر في حال مغيبه دون أن تعلم بنو إسرائيل ذلك وجست نفوسهم للزيادة على ما أخبرهم به، فقال لهم السامري: إن موسى قد هلك وليس براجع وأضلهم بالعجل فاتبعوه، قاله كله
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج . وقيل: بل أخبرهم بمغيبه أربعين، وكذلك أعلمه الله تبارك وتعالى، وهو المراد بهذه الآية، قاله الحسن، وهو مثل قوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=196فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم تلك عشرة كاملة ، وأنهم عدوا الأيام والليالي، فلما تم أربعون من الدهر قالوا: قد أخلف موسى فضلوا، قال
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد : إن الثلاثين هي شهر ذي القعدة، وإن العشر هي عشر ذي الحجة، وقاله
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس nindex.php?page=showalam&ids=17073ومسروق ، وروي أن الثلاثين إنما وعد بأن يصومها ويتهيأ فيها للمناجاة ويستعد، وأن مدة المناجاة هي العشر، وقيل: بل مدة المناجاة الأربعون، وإقبال موسى على الأمر والتزامه يحسن لفظ المواعدة، وحيث ورد أن المواعدة أربعون ليلة فذلك إخبار بجملة الأمر، وهو في هذه الآية إخبار بتفصيله كيف وقع، و"أربعين" في هذه الآية وما بعدها في موضع الحال، ويصح أن تكون "أربعين" ظرفا من حيث هي عدد أزمنة، وفي مصحف
nindex.php?page=showalam&ids=34أبي بن كعب "وتممناها" بغير ألف وتشديد الميم، وذكر
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج عن بعضهم قال: لما صام ثلاثين يوما أنكر خلوف فمه فاستاك بعود خروب، فقالت الملائكة: إنا كنا نستنشق من
[ ص: 39 ] فيك رائحة المسك، فأفسدته بالسواك فزيدت عليه عشر ليال، و"ثلاثين" نصب على تقدير: أجلناه ثلاثين، وليست منتصبة على الظرف; لأن المواعدة لم تقع في الثلاثين، ثم ردد الأمر بقوله سبحانه:
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=142فتم ميقات ربه أربعين ليلة قيل: ليبين أن العشر لم تكن ساعات، وبالجملة تأكيد وإيضاح.
وقوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=142وقال موسى لأخيه الآية، المعنى: وقال موسى حين أراد المضي للمناجاة والمغيب فيها، و"اخلفني" معناه: كن خليفتي، وهذا استخلاف في حياة كالوكالة التي تنقضي بعزل الموكل أو موته ولا يقتضي أنه متماد بعد وفاة، فينحل -على هذا- ما تعلق به الإمامية في قولهم: إن النبي صلى الله عليه وسلم استخلف
nindex.php?page=showalam&ids=8عليا بقوله: "أنت مني
كهارون من
موسى" ، وقال موسى: اخلفني فيترتب على هذا أن
nindex.php?page=showalam&ids=8عليا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما ذكرناه يحل هذا القياس.
وأمره في هذه الآية بالإصلاح، ثم من الطرق الأخر في ألا يتبع سبيل مفسد، قال
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج : كان من الإصلاح أن يزجر
السامري ويغير عليه.
ثم أخبر الله تبارك وتعالى عن موسى عليه السلام أنه لما جاء إلى الموضع الذي حدد له، وفي الوقت الذي عين له، وكلمه ربه قال تمنيا منه:
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=143رب أرني أنظر إليك ، وقرأ الجمهور: "أرني" بكسر الراء، وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=12114أبو عمرو ،
nindex.php?page=showalam&ids=16456وابن كثير : "أرني" بسكون الراء.
والمعنى في قوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=54كلمه أي: خلق له إدراكا سمع به الكلام القائم بالذات القديم الذي هو صفة ذات، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ،
nindex.php?page=showalam&ids=15992وابن جبير : أدنى الله تبارك وتعالى موسى عليه السلام حتى سمع صريف الأقلام في اللوح، وكلام الله عز وجل لا يشبه
[ ص: 40 ] شيئا من الكلام الذي للمخلوقين ولا في جهة من الجهات، وكما هو موجود لا كالموجودات، ومعلوم لا كالمعلومات، كذلك كلامه لا يشبه الكلام الذي فيه علامات الحدوث، والواو عاطفة "كلمه" على "جاء"، ويحتمل أن تكون واو الحال، والأول أبين. وقال
nindex.php?page=showalam&ids=17285وهب بن منبه : كلم الله
موسى في ألف مقام، كان يرى نورا على وجهه ثلاثة أيام إثر كل مقام، وما قرب موسى النساء منذ كلمه الله تعالى، وجواب "لما" في قوله تعالى: "قال"، والمعنى أنه لما كلمه وخصه بهذه المرتبة طمحت همته إلى رتبة الرؤية وتشوق إلى ذلك، فسأل ربه أن يريه نفسه، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي ،
وأبو بكر الهذلي ، وقال
الربيع: قربناه نجيا حتى سمع صريف الأقلام.
nindex.php?page=treesubj&link=28725ورؤية الله عز وجل عند الأشعرية وأهل السنة جائزة عقلا، لأنه من حيث هو موجود تصح رؤيته، قالوا: لأن الرؤية للشيء لا تتعلق بصفة من صفاته أكثر من الوجود، إلا أن الشريعة قررت رؤية الله تبارك وتعالى في الآخرة نصا، ومنعت من ذلك في الدنيا بظواهر من الشرع،
فموسى عليه السلام لم يسأل ربه محالا وإنما سأل جائزا.
وقوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=143لن تراني ولكن انظر إلى الجبل الآية. ليس بجواب من سأل محالا، وقد قال تبارك وتعالى
لنوح: nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=46فلا تسألني ما ليس لك به علم إني أعظك أن تكون من الجاهلين ، فلو سأل
موسى محالا لكان في الكلام زجر ما وتبيين، وقوله عز وجل:
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=143لن تراني نص من الله تعالى على منعه الرؤية في الدنيا، و"لن" تنفي الفعل المستقبل، ولو بقينا مع هذا النفي بمجرده لقضينا أنه لا يراه موسى أبدا ولا في الآخرة، لكن ورد من جهة أخرى بالحديث المتواتر أن أهل الإيمان يرون الله تعالى يوم القيامة،
فموسى عليه السلام أحرى برؤيته، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد وغيره: إن الله عز وجل
[ ص: 41 ] قال
لموسى: nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=143لن تراني ولكن سأتجلى للجبل الذي هو أقوى منك وأشد فإن استقر وأطاق الصبر لهيبتي فسيمكنك أنت رؤيتي.
قال
القاضي أبو محمد رحمه الله:
فعلى هذا إنما جعل الله الجبل مثالا وقالت فرقة: إنما المعنى: سأتبدى لك على الجبل فإن استقر لعظمتي فسوف تراني، وروي في كيفية وقوف
موسى وانتظاره الرؤية قصص طويل اختصرته لبعده وكثرة مواضع الاعتراض فيه.
[ ص: 38 ] قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ:
nindex.php?page=treesubj&link=28803_31908_31928_32463_34444_34513_28978nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=142وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقَالَ مُوسَى لأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ nindex.php?page=treesubj&link=20009_28725_28743_31910_31928_31929_32412_32456_33143_33177_34273_34513_28978nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=143وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ
قَرَأَ
nindex.php?page=showalam&ids=12114أَبُو عَمْرٍو ،
nindex.php?page=showalam&ids=34وَأُبِيُّ بْنُ كَعْبٍ ،
nindex.php?page=showalam&ids=12004وَأَبُو رَجَاءٍ ،
nindex.php?page=showalam&ids=11962وَأَبُو جَعْفَرٍ ،
وَشَيْبَةُ : "وَوَعَدْنَا" ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْبَقَرَةِ، وَأَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ بِأَنْ يَتَهَيَّأَ لِمُنَاجَاتِهِ ثَلَاثِينَ لَيْلَةً، ثُمَّ زَادَهُ فِي الْأَجَلِ بَعْدَ ذَلِكَ عَشَرَ لَيَالٍ، فَذَكَرَ أَنَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ أَعْلَمُ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَغِيبِهِ ثَلَاثِينَ لَيْلَةً، فَلَمَّا زَادَهُ الْعَشْرُ فِي حَالِ مَغِيبِهِ دُونَ أَنْ تَعْلَمَ بَنُو إِسْرَائِيلَ ذَلِكَ وَجَسَتْ نُفُوسُهُمْ لِلزِّيَادَةِ عَلَى مَا أَخْبَرَهُمْ بِهِ، فَقَالَ لَهُمُ السَّامِرِيُّ: إِنَّ مُوسَى قَدْ هَلَكَ وَلَيْسَ بِرَاجِعٍ وَأَضَلَّهُمْ بِالْعْجِلِ فَاتَّبَعُوهُ، قَالَهُ كُلُّهُ
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابْنُ جُرَيْجٍ . وَقِيلَ: بَلْ أَخْبَرَهُمْ بِمَغِيبِهِ أَرْبَعِينَ، وَكَذَلِكَ أَعْلَمَهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، وَهُوَ الْمُرَادُ بِهَذِهِ الْآيَةِ، قَالَهُ الْحَسَنُ، وَهُوَ مِثْلُ قَوْلِهِ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=196فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ، وَأَنَّهُمْ عَدُّوا الْأَيَّامَ وَاللَّيَالِيَ، فَلَمَّا تَمَّ أَرْبَعُونَ مِنَ الدَّهْرِ قَالُوا: قَدْ أَخْلَفَ مُوسَى فَضَلُّوا، قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16879مُجَاهِدٌ : إِنَّ الثَّلَاثِينَ هِيَ شَهْرُ ذِي الْقِعْدَةِ، وَإِنَّ الْعَشْرَ هِيَ عَشْرُ ذِي الْحِجَّةِ، وَقَالَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ nindex.php?page=showalam&ids=17073وَمَسْرُوقٌ ، وَرُوِيَ أَنَّ الثَّلَاثِينَ إِنَّمَا وُعِدَ بِأَنْ يَصُومَهَا وَيَتَهَيَّأَ فِيهَا لِلْمُنَاجَاةِ وَيَسْتَعِدَّ، وَأَنَّ مُدَّةَ الْمُنَاجَاةِ هِيَ الْعَشْرُ، وَقِيلَ: بَلْ مُدَّةُ الْمُنَاجَاةِ الْأَرْبَعُونَ، وَإِقْبَالُ مُوسَى عَلَى الْأَمْرِ وَالْتِزَامُهُ يُحَسِّنُ لَفْظَ الْمُوَاعَدَةِ، وَحَيْثُ وَرَدَ أَنَّ الْمُوَاعَدَةَ أَرْبَعُونَ لَيْلَةً فَذَلِكَ إِخْبَارٌ بِجُمْلَةِ الْأَمْرِ، وَهُوَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ إِخْبَارٌ بِتَفْصِيلِهِ كَيْفَ وَقَعَ، وَ"أَرْبَعِينَ" فِي هَذِهِ الْآيَةِ وَمَا بَعْدَهَا فِي مَوْضِعِ الْحَالِ، وَيَصِحُّ أَنْ تَكُونَ "أَرْبَعِينَ" ظَرْفًا مِنْ حَيْثُ هِيَ عَدَدُ أَزْمِنَةٍ، وَفِي مُصْحَفِ
nindex.php?page=showalam&ids=34أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ "وَتَمَّمْنَاهَا" بِغَيْرِ أَلِفٍ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ، وَذَكَرَ
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزَّجَّاجُ عَنْ بَعْضِهِمْ قَالَ: لَمَّا صَامَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا أَنْكَرَ خُلُوفَ فَمِهِ فَاسْتَاكَ بِعُودِ خَرُّوبٍ، فَقَالَتِ الْمَلَائِكَةُ: إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْشِقُ مِنْ
[ ص: 39 ] فِيكَ رَائِحَةَ الْمِسْكِ، فَأَفْسَدْتَهُ بِالسِّوَاكِ فَزِيدَتْ عَلَيْهِ عَشْرُ لَيَالٍ، وَ"ثَلَاثِينَ" نَصْبٌ عَلَى تَقْدِيرِ: أَجَّلْنَاهُ ثَلَاثِينَ، وَلَيْسَتْ مُنْتَصِبَةً عَلَى الظَّرْفِ; لِأَنَّ الْمُوَاعَدَةَ لَمْ تَقَعْ فِي الثَّلَاثِينَ، ثُمَّ رَدَّدَ الْأَمْرَ بِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=142فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً قِيلَ: لِيُبَيِّنَ أَنَّ الْعَشْرَ لَمْ تَكُنْ سَاعَاتٍ، وَبِالْجُمْلَةِ تَأْكِيدٌ وَإِيضَاحٌ.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=142وَقَالَ مُوسَى لأَخِيهِ الْآيَةُ، الْمَعْنَى: وَقَالَ مُوسَى حِينَ أَرَادَ الْمُضِيَّ لِلْمُنَاجَاةِ وَالْمَغِيبِ فِيهَا، وَ"اخْلُفْنِي" مَعْنَاهُ: كُنْ خَلِيفَتِي، وَهَذَا اسْتِخْلَافٌ فِي حَيَاةٍ كَالْوِكَالَةِ الَّتِي تَنْقَضِي بِعَزْلِ الْمُوَكَّلِ أَوْ مَوْتِهِ وَلَا يَقْتَضِي أَنَّهُ مُتَمَادٍ بَعْدَ وَفَاةٍ، فَيَنْحَلُّ -عَلَى هَذَا- مَا تَعَلَّقَ بِهِ الْإِمَامِيَّةُ فِي قَوْلِهِمْ: إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَخْلَفَ
nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيًّا بِقَوْلِهِ: "أَنْتَ مِنِّي
كَهَارُونَ مِنْ
مُوسَى" ، وَقَالَ مُوسَى: اخْلُفْنِي فَيَتَرَتَّبُ عَلَى هَذَا أَنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيًّا خَلِيفَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَا ذَكَرْنَاهُ يَحُلُّ هَذَا الْقِيَاسَ.
وَأَمَرَهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ بِالْإِصْلَاحِ، ثُمَّ مِنَ الطُّرُقِ الْأُخَرِ فِي أَلَّا يَتَّبِعَ سَبِيلَ مُفْسِدٍ، قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابْنُ جُرَيْجٍ : كَانَ مِنَ الْإِصْلَاحِ أَنْ يَزْجُرَ
السَّامِرِيَّ وَيُغِيرَ عَلَيْهِ.
ثُمَّ أَخْبَرَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَنْ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّهُ لَمَّا جَاءَ إِلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي حُدِّدَ لَهُ، وَفِي الْوَقْتِ الَّذِي عُيِّنَ لَهُ، وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ تَمَنِّيًا مِنْهُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=143رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ ، وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: "أَرِنِي" بِكَسْرِ الرَّاءِ، وَقَرَأَ
nindex.php?page=showalam&ids=12114أَبُو عَمْرٍو ،
nindex.php?page=showalam&ids=16456وَابْنُ كَثِيرٍ : "أَرْنِي" بِسُكُونِ الرَّاءِ.
وَالْمَعْنَى فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=54كَلَّمَهُ أَيْ: خَلَقَ لَهُ إِدْرَاكًا سَمَعَ بِهِ الْكَلَامَ الْقَائِمَ بِالذَّاتِ الْقَدِيمِ الَّذِي هُوَ صِفَةُ ذَاتٍ، وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ ،
nindex.php?page=showalam&ids=15992وَابْنُ جُبَيْرٍ : أَدْنَى اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ حَتَّى سَمِعَ صَرِيفَ الْأَقْلَامِ فِي اللَّوْحِ، وَكَلَامُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لَا يُشْبِهُ
[ ص: 40 ] شَيْئًا مِنَ الْكَلَامِ الَّذِي لِلْمَخْلُوقِينَ وَلَا فِي جِهَةٍ مِنَ الْجِهَاتِ، وَكَمَا هُوَ مَوْجُودٌ لَا كَالْمَوْجُودَاتِ، وَمَعْلُومٌ لَا كَالْمَعْلُومَاتِ، كَذَلِكَ كَلَامُهُ لَا يُشْبِهُ الْكَلَامَ الَّذِي فِيهِ عَلَامَاتُ الْحُدُوثِ، وَالْوَاوُ عَاطِفَةٌ "كَلَّمَهُ" عَلَى "جَاءَ"، وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ وَاوَ الْحَالِ، وَالْأَوَّلُ أَبْيَنُ. وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=17285وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ : كَلَّمَ اللَّهُ
مُوسَى فِي أَلْفِ مَقَامٍ، كَانَ يَرَى نُورًا عَلَى وَجْهِهِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِثْرَ كُلِّ مَقَامٍ، وَمَا قَرَبَ مُوسَى النِّسَاءَ مُنْذُ كَلَّمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَجَوَابُ "لَمَّا" فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: "قَالَ"، وَالْمَعْنَى أَنَّهُ لَمَّا كَلَّمَهُ وَخَصَّهُ بِهَذِهِ الْمَرْتَبَةِ طَمَحَتْ هِمَّتُهُ إِلَى رُتْبَةِ الرُّؤْيَةِ وَتَشَوَّقَ إِلَى ذَلِكَ، فَسَأَلَ رَبَّهُ أَنْ يُرِيَهُ نَفْسَهُ، قَالَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=14468السُّدِّيُّ ،
وَأَبُو بَكْرٍ الْهُذَلِيُّ ، وَقَالَ
الرَّبِيعُ: قَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا حَتَّى سَمِعَ صَرِيفَ الْأَقْلَامِ.
nindex.php?page=treesubj&link=28725وَرُؤْيَةُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عِنْدَ الْأَشْعَرِيَّةِ وَأَهْلِ السُّنَّةِ جَائِزَةٌ عَقْلًا، لِأَنَّهُ مِنْ حَيْثُ هُوَ مَوْجُودٌ تَصِحُّ رُؤْيَتُهُ، قَالُوا: لِأَنَّ الرُّؤْيَةَ لِلشَّيْءِ لَا تَتَعَلَّقُ بِصِفَةٍ مِنْ صِفَاتِهِ أَكْثَرَ مِنَ الْوُجُودِ، إِلَّا أَنَّ الشَّرِيعَةَ قَرَّرَتْ رُؤْيَةَ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي الْآخِرَةِ نَصًّا، وَمَنَعَتْ مِنْ ذَلِكَ فِي الدُّنْيَا بِظَوَاهِرَ مِنَ الشَّرْعِ،
فَمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمْ يَسْأَلْ رَبَّهُ مُحَالًا وَإِنَّمَا سَأَلَ جَائِزًا.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=143لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ الْآيَةُ. لَيْسَ بِجَوَابِ مَنْ سَأَلَ مُحَالًا، وَقَدْ قَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى
لِنُوحٍ: nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=46فَلا تَسْأَلْنِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ ، فَلَوْ سَأَلَ
مُوسَى مُحَالًا لَكَانَ فِي الْكَلَامِ زَجْرٌ مَا وَتَبْيِينٌ، وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ:
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=143لَنْ تَرَانِي نَصٌّ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى مَنْعِهِ الرُّؤْيَةَ فِي الدُّنْيَا، وَ"لَنْ" تَنْفِي الْفِعْلَ الْمُسْتَقْبَلَ، وَلَوْ بَقِينَا مَعَ هَذَا النَّفْيِ بِمُجَرِّدِهِ لَقَضَيْنَا أَنَّهُ لَا يَرَاهُ مُوسَى أَبَدًا وَلَا فِي الْآخِرَةِ، لَكِنْ وَرَدَ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى بِالْحَدِيثِ الْمُتَوَاتِرِ أَنَّ أَهْلَ الْإِيمَانِ يَرَوْنَ اللَّهَ تَعَالَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ،
فَمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ أَحْرَى بِرُؤْيَتِهِ، وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16879مُجَاهِدٌ وَغَيْرُهُ: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ
[ ص: 41 ] قَالَ
لِمُوسَى: nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=143لَنْ تَرَانِي وَلَكِنْ سَأَتَجَلَّى لِلْجَبَلِ الَّذِي هُوَ أَقْوَى مِنْكَ وَأَشَدُّ فَإِنِ اسْتَقَرَّ وَأَطَاقَ الصَّبْرَ لِهَيْبَتِي فَسَيُمْكِنُكَ أَنْتَ رُؤْيَتِي.
قَالَ
الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ:
فَعَلَى هَذَا إِنَّمَا جَعَلَ اللَّهُ الْجَبَلَ مِثَالًا وَقَالَتْ فِرْقَةٌ: إِنَّمَا الْمَعْنَى: سَأَتَبَدَّى لَكَ عَلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ لِعَظْمَتِي فَسَوْفَ تَرَانِي، وَرُوِيَ فِي كَيْفِيَّةِ وُقُوفِ
مُوسَى وَانْتِظَارِهِ الرُّؤْيَةَ قَصَصٌ طَوِيلٌ اخْتَصَرْتُهُ لِبُعْدِهِ وَكَثْرَةِ مَوَاضِعِ الِاعْتِرَاضِ فِيهِ.