وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون المسجد الحرام وما كانوا أولياءه إن أولياؤه إلا المتقون ولكن أكثرهم لا يعلمون وما لهم ألا يعذبهم الله وهم يصدون عن
قالت فرقة: نزلت هذه الآية كلها بمكة، وقالت فرقة: نزلت كلها بعد وقعة بدر حكاية عما مضى، وقال : نزل قوله: ابن أبزى وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم بمكة إثر قولهم: أو ائتنا بعذاب أليم ، ونزل قوله: وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون عند خروج النبي صلى الله عليه وسلم عن مكة في طريقه إلى المدينة، وقد بقي بمكة مؤمنون يستغفرون، ونزل قوله: وما لهم إلى آخر الآية بعد بدر عند ظهور العذاب عليهم.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وأجمع المتأولون على أن معنى قوله: وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم أن الله عز وجل لم يعذب قط أمة ونبيها بين أظهرها، فما كان ليعذب هذه وأنت فيهم، بل كرامتك لديه أعظم، قال -أراه عن أبي زيد-: سمعت من العرب من يقول: "ما كان الله ليعذبهم" بفتح اللام، وهي لغة غير معروفة ولا مستعملة في القرآن.
واختلفوا في معنى قوله: وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون فقال رضي الله عنهما، ابن عباس وابن أبزى ، وأبو مالك ، ما مقتضاه: إن الضمير في قوله: "معذبهم" يعود على كفار والضحاك مكة ، والضمير في قوله: "وهم" عائد على المؤمنين الذين بقوا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة ، أي: وما كان الله ليعذب الكفار والمؤمنون بينهم يستغفرون. [ ص: 178 ]
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
ويدفع في صدر هذا القول أن المؤمنين الذين رد الضمير عليهم لم يجر لهم ذكر، وقال رضي الله عنهما أيضا ما مقتضاه: أن يقال: الضميران عائدان على الكفار، وذلك أنهم كانوا يقولون في دعائهم: غفرانك، ويقولون: لبيك لا شريك لك، ونحو هذا مما هو دعاء واستغفار، فجعله الله أمنة من عذاب الدنيا، وعلى هذا تركب قول ابن عباس ، أبي موسى الأشعري : إن الله جعل من عذاب الدنيا أمنتين، كون الرسول صلى الله عليه وسلم مع الناس، والاستغفار، فارتفعت الواحدة وبقي الاستغفار إلى يوم القيامة، وقال وابن عباس : الضمير للكفار. قتادة
وقوله تعالى: وهم يستغفرون ، جملة في موضع الحال إن لو كانت، فالمعنى: وما كان الله معذبهم وهم بحال توبة واستغفار من كفرهم لو وقع ذلك منهم، واختاره ، ثم حسن الزجر والتوقيف -بعد هذا- بقوله: الطبري وما لهم ألا يعذبهم الله .
وقال ما معناه: إن الضمير في قوله: "وهم" عائد على الكفار، والمراد به: من سبق له في علم الله أن يسلم ويستغفر، فالمعنى: وما كان الله ليعذب الكفار وفيهم من يستغفر ويؤمن في ثاني حال، وحكاه الزجاج عن الطبري رضي الله عنهما. ابن عباس
وقال في كتاب مجاهد : المراد بقوله: الزهراوي وهم يستغفرون ذرية المشركين يومئذ الذين سبق لهم في علم الله أن يكونوا مؤمنين، فالمعنى: وما كان الله ليعذبهم وذريتهم يستغفرون ويؤمنون، فنسب الاستغفار إليهم، إذ ذريتهم منهم، وذكره ولم ينسبه. مكي
وفي عن فرقة أن معنى الطبري يستغفرون : يصلون، وعن أخرى: يسلمون، ونحو هذا من الأقوال التي تتقارب مع قول . [ ص: 179 ] وقوله عز وجل: قتادة وما لهم ألا يعذبهم الله توعد بعذاب الدنيا، فتقديره: وما يعلمهم أو يدريهم ونحو هذا من الأفعال التي توجب أن تكون "أن" في موضع نصب، وقال : تقديره: وما يمنعهم من أن يعذبوا، والظاهر في قوله: "وما" أنها استفهام على جهة التقرير والتوبيخ والسؤال، وهذا أفصح في القول وأقطع لهم في الحجة، ويصح أن تكون "ما" نافية ويكون القول إخبارا، أي: وليس لهم ألا يعذبوا وهم يصدون. الطبري
وقوله:
وهم يصدون
على التأويلين جملة في موضع الحال، و يصدون في هذا الموضع معناه: يمنعون غيرهم، فهو متعد كما قال:
صددت الكأس عنا أم عمرو ... ...............
وقد تجيء "صد" غير متعد، كما أنشد : أبو علي
صدت خليدة عنا ما تكلمنا ... .................
والضمير في قوله سبحانه: أولياؤه عائد على الله عز وجل من قوله تعالى: يعذبهم الله ، أو على المسجد الحرام ، كل ذلك جيد، روي الأخير عن والضمير الآخر تابع للأول. الحسن،
وقوله تعالى: ولكن أكثرهم لا يعلمون معناه: لا يعلمون أنهم ليسوا [ ص: 180 ] بأوليائه، بل يظنون أنهم أولياؤه، وقوله: ( أكثرهم ) ونحن نجد كلهم بهذه الصفة، لفظ خارج إما على أن تقول: إنه لفظ خصوص أريد به العموم، وهذا كثير في كلام العرب، ومنه حكى من قولهم: "قل من يقول ذلك"، وهم يريدون: لا يقوله أحد. وإما أن تقول: إنه أراد بقوله: ( أكثرهم ) أن يعلم ويشعر أن بينهم وفي خلالهم قوما قد جنحوا إلى الإيمان ووقع لهم علم وإن كان ظاهرهم الكفر فاستثارهم من الجميع بقوله: ( أكثرهم ) ، وكذلك كانت حال سيبويه مكة وأهلها، فقد كان فيهم ، وأم الفضل وغيرهما. العباس
وحكى عن الطبري : قال عكرمة : إن قوله: الحسن بن أبي الحسن وما لهم ألا يعذبهم الله ، ناسخ لقوله: وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون .
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وفي هذا نظر، لأنه خبر لا يدخله نسخ.