قوله عز وجل:
nindex.php?page=treesubj&link=28673_28752_31927_31942_32424_28973nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=92ولقد جاءكم موسى بالبينات ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون nindex.php?page=treesubj&link=30491_31927_31931_32416_32424_28973nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=93وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور خذوا ما آتيناكم بقوة واسمعوا قالوا سمعنا وعصينا وأشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم قل بئسما يأمركم به إيمانكم إن كنتم مؤمنين nindex.php?page=treesubj&link=29706_31931_34097_28973nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=94قل إن كانت لكم الدار الآخرة عند الله خالصة من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين nindex.php?page=treesubj&link=28723_31931_34097_28973nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=95ولن يتمنوه أبدا بما قدمت أيديهم والله عليم بالظالمين
"البينات": التوراة، والعصا، وفرق البحر، وغير ذلك من آيات
موسى عليه السلام، وقوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=92ثم اتخذتم تدل "ثم" على أنهم فعلوا ذلك بعد مهلة من النظر في الآيات، وذلك أعظم في ذنبهم ، وقد تقدمت قصة اتخاذهم العجل، والضمير في قوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=92من بعده عائد على
موسى عليه السلام، أي من بعده حين غاب عنكم في المناجاة، ويحتمل أن يعود الضمير في "بعده" على المجيء، وهذه الآية ترد عليهم في أن من آمن بما نزل عليه لا يتخذ العجل، وقد تقدم ذكر أخذ الميثاق ورفع
الطور .
وقوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=93خذوا ما آتيناكم بقوة ، يعني التوراة، والشرع. و"بقوة" أي بعزم، ونشاط، وجد، "واسمعوا" معناه هنا: وأطيعوا، وليس معناه الأمر بإدراك القول فقط وقالت
[ ص: 286 ] طائفة من المفسرين: إنهم
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=93قالوا سمعنا وعصينا ، ونطقوا بهذه الألفاظ مبالغة في التعنت والمعصية، وقالت طائفة: ذلك مجاز، ولم ينطقوا بـ "سمعنا وعصينا" ولكن فعلهم اقتضاه، كما قال الشاعر:
امتلأ الحوض وقال قطني ..................
وهذا أيضا احتجاج عليهم في كذب قولهم:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=91نؤمن بما أنزل علينا .
وقوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=93وأشربوا في قلوبهم العجل ، التقدير: حب العجل، والمعنى: جعلت قلوبهم تشربه، وهذا تشبيه ومجاز عبارة عن تمكن أمر العجل في قلوبهم، وقال قوم: إن معنى قوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=93وأشربوا في قلوبهم العجل شربهم الماء الذي ألقى فيه
موسى برادة العجل، وذلك أنه برده بالمبرد ورماه في الماء، وقيل لبني إسرائيل : اشربوا من ذلك الماء، فشرب جميعهم، فمن كان يحب العجل خرجت برادة الذهب على شفتيه. وهذا قول يرده قوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=93في قلوبهم ، وروي أن الذين تبين فيهم حب العجل أصابهم من ذلك الماء الجن.
وقوله تعالى: "بكفرهم" يحتمل أن تكون باء السبب، ويحتمل أن تكون بمعنى مع.
[ ص: 287 ] وقوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=93قل بئسما الآية، أمر
لمحمد صلى الله عليه وسلم أن يوبخهم بأنه بئس هذه الأشياء التي فعلتم، وأمركم بها إيمانكم الذي زعمتم في قولكم:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=91نؤمن بما أنزل علينا ، و "ما": في موضع رفع، والتقدير: بئس الشيء قتل واتخاذ عجل، وقول
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=93سمعنا وعصينا . ويجوز أن تكون "ما" في موضع نصب، و
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=93إن كنتم مؤمنين شرط، وقد يأتي الشرط والشارط يعلم أن الأمر على أحد الجهتين، كما قال الله تعالى عن
عيسى عليه السلام :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=116إن كنت قلته فقد علمته وقد علم
عيسى عليه السلام أنه لم يقله، كذلك:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=93إن كنتم مؤمنين ، والقائل يعلم أنهم غير مؤمنين، لكنه إقامة حجة بقياس بين، وقال قوم: "إن" هنا نافية بمنزلة "ما" كالتي تقدمت. وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن ،
ومسلم بن جندب "بهو إيمانكم" برفع الهاء.
وقوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=94قل إن كانت لكم الدار الآخرة الآية، أمر
لمحمد صلى الله عليه وسلم أن يوبخهم، والمعنى: إن كان لكم نعيمها وحظوتها وخيرها فذلك يقتضي حرصكم على الوصول إليها
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=94فتمنوا الموت ، و"الدار": اسم كانت، و"خالصة" خبرها، ويجوز أن يكون نصب "خالصة" على الحال، و"عند الله" خبر كان، و
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=94من دون الناس يحتمل أن يراد بـ "الناس"
محمد صلى الله عليه وسلم ومن تبعه، ويحتمل أن يراد العموم التام، وهو قول اليهود فيما حفظ عنهم، وقرأ
ابن أبي إسحاق بكسر الواو من "تمنوا" للالتقاء، وحكى
الأهوازي عن
nindex.php?page=showalam&ids=12114أبي عمرو أنه قرأ "تمنوا الموت" بفتح الواو، وحكي عن غيره اختلاس الحركة في الرفع، وقراءة الجماعة بضم الواو.
وهذه آية بينة أعطاها الله رسوله
محمدا صلى الله عليه وسلم، لأن اليهود قالت:
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=18نحن أبناء الله وأحباؤه ، وشبه ذلك من القول، فأمر الله نبيه أن يدعوهم إلى تمني الموت، وأن
[ ص: 288 ] يعلمهم أنه من تمناه منهم مات، ففعل النبي صلى الله عليه وسلم، فعلم اليهود صدقه، فأحجموا عن تمنيه فرقا من الله لقبح أعمالهم، ومعرفتهم بكذبهم في قولهم:
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=18نحن أبناء الله ، وحرصا منهم على الحياة ، وقيل: إن الله منعهم من التمني، وقصرهم على الإمساك عنه، لتظهر الآية لنبيه صلى الله عليه وسلم.
والمراد بقوله: "تمنوا" أريدوه بقلوبكم واسألوه، هذا قول جماعة من المفسرين، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : المراد فيه السؤال فقط وإن لم يكن بالقلب، وقال أيضا هو وغيره: إنما أمروا بالدعاء بالموت على أردأ الحزبين من المؤمنين أو منهم.
وذكر
المهدوي وغيره أن هذه الآية كانت مدة حياة النبي صلى الله عليه وسلم وارتفعت بموته. والصحيح أن هذه النازلة من موت من تمنى الموت إنما كانت أياما كثيرة عند نزول الآية، وهي بمنزلة دعائه النصارى من أهل
نجران إلى المباهلة، وقالت فرقة: إن سبب هذا الدعاء إلى تمني الموت أن النبي صلى الله عليه وسلم أراد به هلاك الفريق المكذب، أو قطع حجتهم، لا أن علته قولهم:
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=18نحن أبناء الله .
[ ص: 289 ] ثم أخبر تعالى عنهم بعجزهم، وأنهم لا يتمنونه، و"أبدا" ظرف زمان، وإذا كانت "ما" بمعنى الذي فتحتاج إلى عائد تقديره: قدمته، وإذا كانت مع "قدمت" بمثابة المصدر غنيت عن الضمير، هذا قول
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه ، و
nindex.php?page=showalam&ids=13673الأخفش يرى الضمير في المصدرية. وأضاف ذنوبهم واجترامهم إلى الأيدي، وأسند تقديمها إليها، إذ الأكثر من كسب العبد الخير والشر إنما هو بيديه، فحمل جميع الأشياء على ذلك. وقوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=95والله عليم بالظالمين ظاهرها الخبر، ومضمنها الوعيد، لأن الله عليم بالظالمين وغيرهم، ففائدة تخصيصهم حصول الوعيد.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ:
nindex.php?page=treesubj&link=28673_28752_31927_31942_32424_28973nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=92وَلَقَدْ جَاءَكُمْ مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ nindex.php?page=treesubj&link=30491_31927_31931_32416_32424_28973nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=93وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا قَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ nindex.php?page=treesubj&link=29706_31931_34097_28973nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=94قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ nindex.php?page=treesubj&link=28723_31931_34097_28973nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=95وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ
"الْبَيِّنَاتُ": التَّوْرَاةُ، وَالْعَصَا، وَفَرَقُ الْبَحْرِ، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ
مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَقَوْلُهُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=92ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ تَدَلُّ "ثُمَّ" عَلَى أَنَّهُمْ فَعَلُوا ذَلِكَ بَعْدَ مُهْلَةٍ مِنَ النَّظَرِ فِي الْآيَاتِ، وَذَلِكَ أَعْظَمُ فِي ذَنْبِهِمْ ، وَقَدْ تَقَدَّمَتْ قِصَّةُ اتِّخَاذِهِمُ الْعَجْلَ، وَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=92مِنْ بَعْدِهِ عَائِدٌ عَلَى
مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، أَيْ مِنْ بَعْدِهِ حِينَ غَابَ عَنْكُمْ فِي الْمُنَاجَاةِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَعُودَ الضَّمِيرُ فِي "بَعْدِهِ" عَلَى الْمَجِيءِ، وَهَذِهِ الْآيَةُ تَرُدُّ عَلَيْهِمْ فِي أَنَّ مَنْ آمَنَ بِمَا نُزِّلَ عَلَيْهِ لَا يَتَّخِذُ الْعَجَلَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ أَخْذِ الْمِيثَاقِ وَرَفْعِ
الطُّورِ .
وَقَوْلُهُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=93خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ ، يَعْنِي التَّوْرَاةَ، وَالشَّرْعَ. وَ"بِقُوَّةٍ" أَيْ بِعَزْمٍ، وَنَشَاطٍ، وَجِدٍّ، "وَاسْمَعُوا" مَعْنَاهُ هُنَا: وَأَطِيعُوا، وَلَيْسَ مَعْنَاهُ الْأَمْرُ بِإِدْرَاكِ الْقَوْلِ فَقَطْ وَقَالَتْ
[ ص: 286 ] طَائِفَةٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ: إِنَّهُمْ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=93قَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا ، وَنَطَقُوا بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ مُبَالَغَةً فِي التَّعَنُّتِ وَالْمَعْصِيَةِ، وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: ذَلِكَ مَجَازٌ، وَلَمْ يَنْطِقُوا بـِ "سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا" وَلَكِنَّ فِعْلَهُمُ اقْتَضَاهُ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
امْتَلَأَ الْحَوْضُ وَقَالَ قَطْنِي ..................
وَهَذَا أَيْضًا احْتِجَاجٌ عَلَيْهِمْ فِي كَذِبِ قَوْلِهِمْ:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=91نُؤْمِنُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا .
وَقَوْلُهُ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=93وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ ، التَّقْدِيرُ: حُبُّ الْعِجْلِ، وَالْمَعْنَى: جَعَلَتْ قُلُوبَهُمْ تَشْرَبُهُ، وَهَذَا تَشْبِيهٌ وَمَجَازٌ عِبَارَةٌ عَنْ تَمَكُّنِ أَمْرِ الْعَجَلِ فِي قُلُوبِهِمْ، وَقَالَ قَوْمٌ: إِنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=93وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ شُرْبُهُمُ الْمَاءَ الَّذِي أَلْقَى فِيهِ
مُوسَى بُرَادَةَ الْعِجْلِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ بَرَدَهُ بِالْمَبْرَدِ وَرَمَاهُ فِي الْمَاءِ، وَقِيلَ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ : اشْرَبُوا مِنْ ذَلِكَ الْمَاءِ، فَشَرِبَ جَمِيعُهُمْ، فَمَنْ كَانَ يُحِبُّ الْعِجْلَ خَرَجَتْ بُرَادَةُ الذَّهَبِ عَلَى شَفَتَيْهِ. وَهَذَا قَوْلٌ يَرُدُّهُ قَوْلُهُ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=93فِي قُلُوبِهِمُ ، وَرُوِيَ أَنَّ الَّذِينَ تَبَيَّنَ فِيهِمْ حُبُّ الْعِجْلِ أَصَابَهُمْ مِنْ ذَلِكَ الْمَاءُ الْجِنُّ.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: "بِكُفْرِهِمْ" يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ بَاءَ السَّبَبِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ بِمَعْنَى مَعَ.
[ ص: 287 ] وَقَوْلُهُ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=93قُلْ بِئْسَمَا الْآيَةُ، أَمَرَ
لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُوَبِّخَهُمْ بِأَنَّهُ بِئْسَ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ الَّتِي فَعَلْتُمْ، وَأَمْرُكُمْ بِهَا إِيمَانُكُمُ الَّذِي زَعَمْتُمْ فِي قَوْلِكُمْ:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=91نُؤْمِنُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا ، وَ "مَا": فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ، وَالتَّقْدِيرُ: بِئْسَ الشَّيْءُ قَتْلٌ وَاتِّخَاذُ عِجْلٍ، وَقَوْلُ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=93سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا . وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ "مَا" فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ، وَ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=93إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ شَرْطٌ، وَقَدْ يَأْتِي الشَّرْطُ وَالشَّارِطُ يَعْلَمُ أَنَّ الْأَمْرَ عَلَى أَحَدِ الْجِهَتَيْنِ، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ
عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=116إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ وَقَدْ عَلِمَ
عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّهُ لَمْ يَقُلْهُ، كَذَلِكَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=93إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ، وَالْقَائِلُ يَعْلَمُ أَنَّهُمْ غَيْرُ مُؤْمِنِينَ، لَكِنَّهُ إِقَامَةُ حُجَّةٍ بِقِيَاسٍ بَيِّنٍ، وَقَالَ قَوْمٌ: "إِنْ" هُنَا نَافِيَةٌ بِمَنْزِلَةِ "مَا" كَالَّتِي تَقَدَّمَتْ. وَقَرَأَ
nindex.php?page=showalam&ids=14102الْحَسَنُ ،
وَمُسْلِمُ بْنُ جُنْدُبٍ "بِهُوَ إِيمَانُكُمْ" بِرَفْعِ الْهَاءِ.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=94قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الآخِرَةُ الْآيَةُ، أَمْرٌ
لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُوَبِّخَهُمْ، وَالْمَعْنَى: إِنْ كَانَ لَكُمْ نَعِيمُهَا وَحَظْوَتُهَا وَخَيْرُهَا فَذَلِكَ يَقْتَضِي حِرْصُكُمْ عَلَى الْوُصُولِ إِلَيْهَا
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=94فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ ، وَ"الدَّارُ": اسْمُ كَانَتْ، وَ"خَالِصَةً" خَبَرُهَا، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ نَصْبُ "خَالِصَةً" عَلَى الْحَالِ، وَ"عِنْدَ اللَّهِ" خَبَرُ كَانَ، وَ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=94مِنْ دُونِ النَّاسِ يُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بـِ "النَّاسِ"
مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ تَبِعَهُ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ الْعُمُومُ التَّامُّ، وَهُوَ قَوْلُ الْيَهُودِ فِيمَا حُفِظَ عَنْهُمْ، وَقَرَأَ
ابْنُ أَبِي إِسْحَاقَ بِكَسْرِ الْوَاوِ مِنْ "تَمَنَّوْا" لِلِالْتِقَاءِ، وَحَكَى
الْأَهْوَازِيُّ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=12114أَبِي عَمْرٍو أَنَّهُ قَرَأَ "تُمَنَّوَا الْمَوْتَ" بِفَتْحِ الْوَاوِ، وَحُكِيَ عَنْ غَيْرِهِ اخْتِلَاسُ الْحَرَكَةِ فِي الرَّفْعِ، وَقِرَاءَةُ الْجَمَاعَةِ بِضَمِّ الْوَاوِ.
وَهَذِهِ آيَةٌ بَيِّنَةٌ أَعْطَاهَا اللَّهُ رَسُولَهُ
مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لِأَنَّ الْيَهُودَ قَالَتْ:
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=18نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ ، وَشِبْهُ ذَلِكَ مِنَ الْقَوْلِ، فَأَمَرَ اللَّهُ نَبِيَّهُ أَنْ يَدْعُوَهُمْ إِلَى تَمَنِّي الْمَوْتِ، وَأَنْ
[ ص: 288 ] يُعَلِّمَهُمْ أَنَّهُ مَنْ تَمَنَّاهُ مِنْهُمْ مَاتَ، فَفَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَعَلِمَ الْيَهُودُ صِدْقَهُ، فَأَحْجَمُوا عَنْ تَمَنِّيهِ فَرَقًا مِنَ اللَّهِ لِقُبْحِ أَعْمَالِهِمْ، وَمَعْرِفَتِهِمْ بِكَذِبِهِمْ فِي قَوْلِهِمْ:
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=18نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ ، وَحِرْصًا مِنْهُمْ عَلَى الْحَيَاةِ ، وَقِيلَ: إِنَّ اللَّهَ مَنَعَهُمْ مِنَ التَّمَنِّي، وَقَصَرَهُمْ عَلَى الْإِمْسَاكِ عَنْهُ، لِتَظْهَرَ الْآيَةُ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: "تُمَنُّوا" أَرِيدُوهُ بِقُلُوبِكُمْ وَاسْأَلُوهُ، هَذَا قَوْلُ جَمَاعَةٍ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ، وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ : الْمُرَادُ فِيهِ السُّؤَالُ فَقَطْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِالْقَلْبِ، وَقَالَ أَيْضًا هُوَ وَغَيْرُهُ: إِنَّمَا أَمَرُوا بِالدُّعَاءِ بِالْمَوْتِ عَلَى أَرْدَأَ الْحِزْبَيْنِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَوْ مِنْهُمْ.
وَذَكَرَ
الْمَهْدَوِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ كَانَتْ مُدَّةَ حَيَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَارْتَفَعَتْ بِمَوْتِهِ. وَالصَّحِيحُ أَنَّ هَذِهِ النَّازِلَةَ مِنْ مَوْتِ مَنْ تَمَنَّى الْمَوْتَ إِنَّمَا كَانَتْ أَيَّامًا كَثِيرَةً عِنْدَ نُزُولِ الْآيَةِ، وَهِيَ بِمَنْزِلَةِ دُعَائِهِ النَّصَارَى مِنْ أَهْلِ
نَجْرَانَ إِلَى الْمُبَاهَلَةِ، وَقَالَتْ فِرْقَةٌ: إِنَّ سَبَبَ هَذَا الدُّعَاءِ إِلَى تَمَنِّي الْمَوْتِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرَادَ بِهِ هَلَاكَ الْفَرِيقِ الْمُكَذِّبِ، أَوْ قَطْعَ حُجَّتِهِمْ، لَا أَنَّ عِلَّتَهُ قَوْلُهُمْ:
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=18نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ .
[ ص: 289 ] ثُمَّ أَخْبَرَ تَعَالَى عَنْهُمْ بِعَجْزِهِمْ، وَأَنَّهُمْ لَا يَتَمَنَّوْنَهُ، وَ"أَبَدًا" ظَرْفُ زَمَانٍ، وَإِذَا كَانَتْ "مَا" بِمَعْنَى الَّذِي فَتَحْتَاجُ إِلَى عَائِدٍ تَقْدِيرُهُ: قَدَّمَتْهُ، وَإِذَا كَانَتْ مَعَ "قَدَّمَتْ" بِمَثَابَةِ الْمَصْدَرِ غَنِيَتْ عَنِ الضَّمِيرِ، هَذَا قَوْلُ
nindex.php?page=showalam&ids=16076سِيبَوَيْهِ ، وَ
nindex.php?page=showalam&ids=13673الْأَخْفَشُ يَرَى الضَّمِيرَ فِي الْمَصْدَرِيَّةِ. وَأَضَافَ ذُنُوبَهُمْ وَاجْتِرَامَهُمْ إِلَى الْأَيْدِي، وَأَسْنَدَ تَقْدِيمَهَا إِلَيْهَا، إِذِ الْأَكْثَرُ مِنْ كَسْبِ الْعَبْدِ الْخَيْرَ وَالشَّرَّ إِنَّمَا هُوَ بِيَدَيْهِ، فَحَمَلَ جَمِيعَ الْأَشْيَاءِ عَلَى ذَلِكَ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=95وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ ظَاهِرُهَا الْخَبَرُ، وَمُضَمِّنُهَا الْوَعِيدُ، لِأَنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ وَغَيْرُهُمْ، فَفَائِدَةُ تَخْصِيصِهِمْ حُصُولُ الْوَعِيدِ.