قوله عز وجل:
قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين
هذه الآية تقوي مذهب من رأى أن هذه والتي قبلها إنما مقصودها الحض على الهجرة، وفي ضمن قوله: فتربصوا وعيد بين، وقوله: "بأمره" قال الحسن: الإشارة إلى عذاب أو عقوبة من الله، وقال : الإشارة إلى فتح مجاهد مكة ، والمعنى: فإذا جاء الله بأمره فلم تسلفوا ما يكون لكم به أجرا ومكانة في الإسلام.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وذكر الأبناء في الآية لما جلبت ذكرهم المحبة، والأبناء صدر في المحبة، وليسوا كذلك في أن يتبعهم آباؤهم في آرائهم كما في الآية المتقدمة، وقرأ جمهور الناس: "وعشيرتكم" ، وقرأ وحده بخلاف عنه، عاصم ، وأبو رجاء ، وأبو عبد الرحمن وعصمة: "وعشيراتكم" ، وحسن هذا الجمع إذ لكل أحد عشيرة تختص به، ويحسن الإفراد أن قال: إنما تجمع أبا الحسن الأخفش العرب "عشائر" ولا تكاد تقول "عشيرات"، و اقترفتموها معناه: اكتسبتموها، وأصل الاقتراف والمقارفة: مقاربة الشيء. وتجارة تخشون كسادها بين في أنواع المال، وقال : [ ص: 283 ] الإشارة إلى البنات اللواتي لا يتزوجن ولا يوجد لهن خاطب، و"مساكن" جمع مسكن بفتح الكاف، مفعل من السكنى، وما كان من هذا معتل الفاء فإنما يأتي على مفعل بكسر العين كموعد وموطن، والمساكن: القصور والدور، و"أحب" خبر كان، وكان ابن المبارك يقرؤها: "أحب" بالرفع، وله في ذلك خبر مع الحجاج بن يوسف ، سأله يحيى بن يعمر : هل تسمعني ألحن؟ قال: نعم، في هذا الحرف، وذكر له رفع "أحب" فنفاه. الحجاج
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وذلك خارج في العربية على أن يضمر في كان الأمر والشأن، ولم يقرأ بذلك، وقوله تعالى: والله لا يهدي القوم الفاسقين عموم لفظ يراد به الخصوص فيمن يوافى على فسقه، أو عموم مطلق على أنه لا هداية من حيث الفسق.