قوله عز وجل:
وما منعهم أن تقبل منهم نفقاتهم إلا أنهم كفروا بالله وبرسوله ولا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى ولا ينفقون إلا وهم كارهون فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم إنما يريد الله ليعذبهم بها في الحياة الدنيا وتزهق أنفسهم وهم كافرون ويحلفون بالله إنهم لمنكم وما هم منكم ولكنهم قوم يفرقون
يحتمل أن يكون معنى الآية: وما منعهم الله من أن تقبل إلا لأجل أنهم كفروا بالله، فـ "أن" الأولى -على هذا- في موضع خفض نصبها الفعل حين زال الخافض، و "أن" الثانية، في موضع نصب مفعول من أجله، ويحتمل أن يكون المعنى: وما منعهم الله قبول نفقاتهم إلا لأجل كفرهم، فالأولى -على هذا- في موضع نصب، ويحتمل أن يكون المعنى: وما منعهم قبول نفقاتهم إلا كفرهم، فالثانية في موضع رفع فاعلة.
وقرأ ، ابن كثير ، ونافع ، وابن عامر : "أن تقبل منهم نفقاتهم" ، وقرأ وعاصم ، حمزة ، والكسائي -فيما روي عنه-: "أن يقبل منهم نفقاتهم" بالياء، وقرأ ونافع بخلاف عنه: "أن تقبل منهم نفقتهم" بالتاء من فوق وإفراد النفقة، وقرأ الأعرج ، "أن يقبل منهم صدقاتهم" ، وقرأت فرقة: "أن نقبل منهم نفقتهم" بالنون ونصب النفقة. [ ص: 335 ] و"كسالى": جمع "كسلان"، و"كسلان" إذا كانت مؤنثة "كسلى" لا ينصرف بوجه، وإن كانت مؤنثة "كسلانة" فهو ينصرف في النكرة. الأعمش
ثم أخبر عنهم تبارك وتعالى أنهم "لا ينفقون إلا على كراهية" إذ لا يقصدون بها وجه الله ولا محبة المؤمنين، فلم يبق إلا فقد المال وهو من مكارههم لا محالة.
وقوله تعالى: فلا تعجبك أموالهم الآية، حقر هذا اللفظ شأن المنافقين وعلل إعطاء الله لهم الأموال والأولاد بإرادته تعذيبهم بها، واختلف في وجه التعذيب، فقال : في الكلام تقديم وتأخير، فالمعنى: "فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم في الحياة الدنيا، إنما يريد الله ليعذبهم بها في الآخرة" ، وقال قتادة الوجه في التعذيب أنه بما ألزمهم فيها من أداء الزكاة والنفقة في سبيل الله. الحسن:
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
فالضمير في قوله: "بها" عائد -في هذا القول- على الأموال فقط.
وقال وغيره: التعذيب هو مصائب الدنيا، ورزاياها هي لهم عذاب، إذ لا يؤجرون عليها، وهذا القول وإن كان يستغرق قول ابن زيد فإن قول الحسن، يتقوى تخصيصه بأن تعذيبهم بإلزام الشريعة أعظم من تعذيبهم بسائر الرزايا، وذلك لاقتران الذلة والغلبة بأوامر الشريعة لهم. قوله: الحسن وتزهق أنفسهم يحتمل أن يريد: ويموتون على الكفر، ويحتمل أن يريد: وتزهق أنفسهم من شدة التعذيب الذي ينالهم.
وقوله: وهم كافرون جملة في موضع الحال على التأويل الأول، وليس يلزم ذلك على التأويل الثاني. [ ص: 336 ] وقوله تعالى: ويحلفون الآية، أخبر الله تعالى عن المنافقين أنهم يحلفون أنهم من المؤمنين في الدين والشريعة، ثم أخبر تعالى عنهم -على الجملة لا على التعيين- أنهم ليسوا من المؤمنين، وإنما هم يفزعون منهم فيظهرون الإيمان وهم يبطنون النفاق، والفرق: الخوف، والفروقة: الجبان، وفي المثل: "وفرق خير من حبين".