ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره إنهم كفروا بالله ورسوله وماتوا وهم فاسقون ولا تعجبك أموالهم وأولادهم إنما يريد الله أن يعذبهم بها في الدنيا وتزهق أنفسهم وهم كافرون وإذا أنزلت سورة أن آمنوا بالله وجاهدوا مع رسوله استأذنك أولو الطول منهم وقالوا ذرنا نكن مع القاعدين رضوا بأن يكونوا مع الخوالف وطبع على قلوبهم فهم لا يفقهون
هذه الآية نزلت في شأن عبد الله بن أبي بن سلول وصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه. روى أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما تقدم ليصلي عليه جاءه جبريل عليه السلام، فجذبه بثوبه وتلا عليه هذه الآية، ولا تصل على أحد منهم مات أبدا الآية، فانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يصل عليه، وتظاهرت الروايات أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى عليه، وأن الآية نزلت بعد ذلك، وفي كتاب الجنائز من من حديث البخاري قال: جابر عبد الله بن أبي بعدما أدخل حفرته فأمر به فأخرج ووضعه على ركبته ونفث عليه من ريقه، وألبسه قميصه"، [ ص: 379 ] وروي في ذلك "أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن عبد الله بن أبي بعث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه ورغب إليه أن يستغفر له وأن يصلي عليه. وروي عبد الله بن عبد الله جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد موت أبيه فرغب في ذلك وفي أن يكسوه قميصه الذي يلي بدنه، ففعل، فلما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلي عليه قام إليه رضي الله عنه، فقال: يا رسول الله، أتصلي عليه وقد نهاك الله عن الاستغفار لهم؟ وجعل يعدد أفعال عمر عبد الله ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أخر عني يا فإني خيرت، ولو أعلم أني إن زدت على السبعين غفر له لزدت" عمر ، وفي حديث آخر: أن ابنه "إن قميصي لا يغني عنه من الله شيئا، وإني لأرجو أن يسلم بفعلي هذا ألف رجل من قومي" ، كذا في بعض الروايات، يريد: من منافقي العرب، والصحيح أنه قال: "رجال من قومه"، فسكت ، وصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على عمر عبد الله ، ثم نزلت هذه الآية بعد ذلك، وصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم لموضع إظهار الإيمان، ومحال أن يصلي عليه وهو يتحقق كفره، وبعد هذا -والله أعلم- عين له من لا يصلي عليه، ووقع في مغازي أبي إسحاق وفي بعض كتب التفسير: فأسلم وتاب بهذه الفعلة من رسول الله صلى الله عليه وسلم والرغبة من عبد الله ألف رجل من الخزرج.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وهذا ضعيف، قاله من لم يعرف عدة الأنصار.
وقوله تعالى: فلا تعجبك أموالهم الآية، تقدم تفسير مثل هذه الآية، والخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم والمراد أمته إذ هو بإجماع- ممن لا تفتنه زخارف الدنيا. ويحتمل أن يكون معنى الآية: "ولا تعجبك أيها الإنسان"، والمراد الجنس، ووجه تكريرها تأكيد هذا المعنى وإيضاحه، لأن الناس كانوا يفتنون بصلاح حال المنافقين في دنياهم.
[ ص: 380 ] وقوله تعالى: وإذا أنزلت سورة الآية، العامل في "إذا" "استأذنك"، والسورة المشار إليها هي براءة فيما قال بعضهم، ويحتمل أن يكون إلى كل سورة فيها الأمر بالإيمان والجهاد مع الرسول صلى الله عليه وسلم، وسورة القرآن أجمع على ترك همزها في الاستعمال، واختلف هل أصلها الهمز أم لا فقيل: أصلها الهمز، فهي من أسأر إذا بقيت له قطعة من الشيء، فالسورة: قطعة من القرآن، وقيل: أصلها ألا تهمز فهي كسورة البناء، وهي ما انبنى منه شيئا بعد شيء، فهي الرتبة بعد الرتبة، ومن هذا قول : النابغة
ألم تر أن الله أعطاك سورة ... ترى كل ملك دونها يتذبذب
وقد مضى هذا كله مستوعبا في صدر هذا الكتاب.
و"أن" في قوله: "أن آمنوا" يحتمل أن تكون مفسرة بمعنى أي، فهي -على هذا- لا موضع لها، ويحتمل أن يكون التقدير: بـ "أن" فهي في موضع نصب، و"الطول" في هذه الآية: المال، قاله ، ابن عباس ، وغيرهما، والإشارة بهذه الآية إلى وابن إسحاق الجد بن قيس، وعبد الله بن أبي، ومعتب بن قشير، ونظرائهم.
والقاعدون: الزمنى وأهل العذر في الجملة ومن ترك لضبط المدينة لأن ذلك عذر. وقوله تعالى: رضوا بأن يكونوا مع الخوالف الآية، تقريع وإظهار شنعة كما يقال على وجه التعيير: رضيت يا فلان كذا؟ و"الخوالف": النساء، جمع خالفة، هذا قول جمهور المفسرين، وقال : يقال للرجل الذي لا خير فيه: خالفة، فهذا جمعه بحسب اللفظ، والمراد أخسة الناس وأخالفهم، وقال أبو جعفر النحاس في كتاب النضر بن شميل : الخوالف: من لا خير فيه، وقالت فرقة: الخوالف جمع خالف فهو جار مجرى فوارس ونواكس وهوالك. النقاش
و"طبع" في هذه الآية مستعار، ولما كان الطبع على الصوان والكتاب مانعا منه وحافظا عليه شبه القلب الذي قد غشيه الكفر والضلال حتى منع الإيمان والهدى منه بالصوان المطبوع عليه، ومن هذا استعارة الغفل والكنان للقلب، و"لا يفقهون" معناه: لا يفهمون.