قوله عز وجل:
فإن توليتم فما سألتكم من أجر إن أجري إلا على الله وأمرت أن أكون من المسلمين فكذبوه فنجيناه ومن معه في الفلك وجعلناهم خلائف وأغرقنا الذين كذبوا بآياتنا فانظر كيف كان عاقبة المنذرين
المعنى: فإن لم تقبلوا على دعوتي وكفرتم بها وتوليتم عنها، والتولي أصله بالبدن، ويستعمل في الإعراض عن المعاني، يقول: فأنا لم أسألكم أجرا على ذلك ولا مالا فيقع منكم قطع لي وتقصير بإرادتي وإنما أجري على الذي بعثني. وقرأ ، نافع -بخلاف عنه-: "أجري" بسكون الياء، وقرأ: "أجري" بفتح الياء وأبو عمرو ، الأعرج ، وطلحة بن مصرف ، وعيسى . وقال وأبو عمرو : هما لغتان، والقراءة بالإسكان في كل القرآن، ثم أخبرهم أن الله أمره بالإسلام والدين الحنيف الذي هو توحيد الله والعمل بطاعته والإعداد للقائه. أبو حاتم
وقوله تعالى: فكذبوه الآية، إخبار من الله عز وجل عن حال قوم نوح المكذبين [ ص: 507 ] له، وفي ضمن ذلك الإخبار توعد للكفار بمحمد صلى الله عليه وسلم وضرب المثال لهم، أي: أنتم بحال هؤلاء من التكذيب فستكونون بحالهم من النقمة والتعذيب، و"الفلك": السفينة، والمفسرون وأهل الآثار مجمعون على أن سفينة نوح كانت واحدة، والفلك لفظ الواحد منه ولفظ الجمع مستو، وليس به، وقد مضى شرح هذا في "الأعراف"، و"خلائف" حمع خليفة، وقوله: "فانظر" مخاطبة للنبي صلى الله عليه وسلم يشاركه في معناها جميع الخلق، وفي هذه الآية أنه أغرق جميع من كذب بآيات الله التي جاء بها نوح عليه السلام، وهي مقتضية أيضا أنه أنذرهم فكانوا منذرين، فلو كانوا جميع أهل الأرض كما قال بعض الناس لاستوى نوح ومحمد عليهما الصلاة والسلام في البعث إلى أهل الأرض، ويرد ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: الحديث. ويترجح بهذا النظر أن بعثة "أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلي" نوح عليه السلام والغرق إنما كان في أهل صقع لا في أهل جميع الأرض.