قوله عز وجل:
قال يا بني لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيدا إن الشيطان للإنسان عدو مبين وكذلك يجتبيك ربك ويعلمك من تأويل الأحاديث ويتم نعمته عليك وعلى آل يعقوب كما أتمها على أبويك من قبل إبراهيم وإسحاق إن ربك عليم حكيم
تقتضي هذه الآية أن يعقوب عليه السلام كان يحس من بنيه حسد يوسف وبغضته، فنهاه عن قصص الرؤيا عليهم خوف أن يشعل بذلك غل صدورهم، فيعملوا الحيلة على هلاكه، ومن هنا ومن فعلهم بيوسف -الذي يأتي ذكره- يظهر أنهم لم يكونوا أنبياء في ذلك الوقت. ووقع في كتاب الطبري لابن زيد أنهم كانوا أنبياء، وهذا يرده القطع بعصمة الأنبياء عن الحسد الدنياوي، وعن عقوق الآباء، وتعريض مؤمن للهلاك والتوافر في قتله. ثم أعلمه أن الشيطان للإنسان عدو مبين، أي: هو يدخلهم في ذلك ويحضهم عليه.
وأمال : "رؤياك" والرؤيا حيث وقعت، وروي عنه أنه لم يمل "رؤياك" في هذه السورة وأمال الرؤيا حيث وقعت، وقرأ "روياك" بغير همز -وهي لغة أهل الكسائي الحجاز - ولم يملها الباقون حيث وقعت. والرؤيا مصدر كثر وقوعه على هذا المتخيل في النوم حتى جرى مجرى الأسماء كما فعلوا في الدر في قولهم: "لله درك" فخرجا من حكم عمل المصادر، وكسروها رؤى بمنزلة ظلم، والمصادر في أكثر الأمر لا تكسر.
[ ص: 43 ] وقوله تعالى: وكذلك يجتبيك الآية، فـ "يجتبيك" معناه: يختارك ويصطفيك، ومنه: جبيت الماء في الحوض، ومنه: جباية المال. وقوله: ويعلمك من تأويل الأحاديث ، قال ، مجاهد : هي عبارة الرؤيا. وقال والسدي : هي عواقب الأمور، وقيل: هي عامة لذلك وغيره من المغيبات. وقوله: الحسن ويتم نعمته يريد النبوة وما انضاف إليها من سائر النعم، وقوله: آل يعقوب يريد -في هذا الموضع- الأولاد والقرابة التي هي من نسله، أي يجعل فيهم النبوة، ويروى أن ذلك إنما علمه يعقوب من دعوة إسحاق له حين تشبه له بعيصو، والقصة كاملة في كتاب لكني اختصرتها لأنه لم ينبل ألفاظها، وما أظنه انتزعها إلا من كتب بني إسرائيل فإنها قصة مشهورة عندهم، وباقي هذه الآية بين. النقاش
والنعمة على يوسف كانت تخليصه من السجن وعصمته والملك الذي نال، وعلى إبراهيم هي اتخاذه خليلا، وعلى إسحاق فديته بالذبح العظيم مضافا ذلك كله إلى النبوة، وعليم حكيم مناسبتان لهذا الوعد.