قوله عز وجل:
فبدأ بأوعيتهم قبل وعاء أخيه ثم استخرجها من وعاء أخيه كذلك كدنا ليوسف ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك إلا أن يشاء الله نرفع درجات من نشاء وفوق كل ذي علم عليم
بدؤه أيضا بأوعيتهم تمكين للحيلة، وإبعاد لظهور أنها حيلة. وقرأ جمهور الناس: "وعاء" بكسر الواو، وقرأ : "وعاء" بضمها، وقرأ الحسن : "إعاء" بهمزة بدل الواو، وهذا شائع في الواو المكسورة، وهو أكثر في المضمومة، وقد جاء من المفتوحة أحد في وحد. ابن جبير
وأضاف الله تعالى الكيد إلى ضميره لما أخرج القدر الذي أباح به ليوسف أخذ أخيه مخرج ما هو في اعتياد الناس كيد. وقال ، السدي : "كدنا" معناه: صنعنا. و والضحاك دين الملك فسره رضي الله عنهما بسلطانه، وفسره ابن عباس بالقضاء والحكم. وهذا متقارب، والاستثناء في هذه الآية حكاية حال، التقدير: "إلا أن شاء الله ما وقع من هذه الحيلة"، ويحتمل أن يقدر أنه تسنن لما قرر النفي. قتادة
وقرأ الجمهور: "نرفع" على ضمير المعظم، و"نشاء" كذلك، وقرأ ، الحسن وعيسى، بالياء، أي: الله تعالى، وقرأ ويعقوب ، أبو عمرو ، وأهل ونافع المدينة: "درجات من" بإضافة "الدرجات" إلى "من"، وقرأ ، عاصم وابن محيصن : "درجات [ ص: 124 ] من" بتنوين الدرجات، وقرأ الجمهور: "وفوق كل ذي علم". وقرأ : "وفوق كل ذي عالم"، والمعنى أن البشر في العلم درجات، فكل عالم فلا بد من أعلم منه، فإما من البشر، وإما الله عز وجل، وأما على قراءة ابن مسعود فقيل: "ذي" زائدة، وقيل: "عالم" مصدر كالباطل. ابن مسعود
وروي أن المفتش كان إذا فرغ من رحل رجل فلم يجد فيه شيئا استغفر الله عز وجل تائبا من فعله ذلك. وظاهر كلام وغيره أن المستغفر كان قتادة يوسف ؛ لأنه كان يفتشهم ويعلم أين الصواع، حتى فرغ منهم وانتهى إلى رحل بنيامين فقال: ما أظن هذا الفتى رضي بهذا، ولا أخذ شيئا، فقال له إخوته: والله لا نبرح حتى تفتشه فهو أطيب لنفسك ونفوسنا، ففتش حينئذ فأخرج السقاية، وهذا التفتيش من يوسف يقتضي أن المؤذن إنما سرقهم برأيه، وإما أن يقال: جميع ذلك كان بأمر الله تعالى، ويقوي ذلك قوله: [ ص: 125 ] "كدنا"، وكيف لا يكون برأي يوسف وهو مضطر في محاولته إلى أن يلزمهم حكم السرقة ليتم له أخذ أخيه.
والضمير في قوله: "استخرجها" عائد على السقاية، ويحتمل أن يعود على السرقة.
وروي أن إخوة يوسف لما رأوا ذلك قالوا: يا بنيامين بن راحيل، قبحك الله، ولدت أمك أخوين لصين، كيف سرقت هذه السقاية؟ فرفع يديه إلى السماء وقال: والله ما فعلت، فقالوا له: فمن وضعها في رحلك؟ قال: الذي وضع البضاعة في رحالكم.
وما ذكرناه من المعنى في قوله تعالى: وفوق كل ذي علم عليم هو قول الحسن ، وقد روي عن وقتادة ، وروي أيضا عنه رضي الله عنه أنه حدث يوما بحديث عجيب، فتعجب منه رجل ممن حضر وقال: "الحمد لله وفوق كل ذي علم عليم"، فقال ابن عباس : "بئس ما قلت، إنما العليم لله، وهو فوق كل ذي علم". ابن عباس
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وبين هذا وبين قول فرق.
الحسن