قوله عز وجل:
ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت فمنهم من هدى الله ومنهم من حقت عليه الضلالة فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين إن تحرص على هداهم فإن الله لا يهدي من يضل وما لهم من ناصرين وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت بلى وعدا عليه حقا ولكن أكثر الناس لا يعلمون
لما أشار قوله: فهل على الرسل إلا البلاغ المبين إلى إقامة الحجة حسب ما ذكرناه بين ذلك في هذه الآية، أي إنه بعث الرسل آمرا بعبادته وتجنب عبادة غيره. و"الطاغوت" في اللغة كل ما عبد من دون الله من آدمي راض بذلك أو حجر أو خشب، ثم أخبر أن منهم من اعتبر وهداه الله ونظر ببصيرته، ومنهم من أعرض وكفر فحقت عليه الضلالة، وهي مؤدية إلى النار حتما، ومنهم من أدته إلى عذاب الله في الدنيا، ثم أحالهم في علم ذلك على الطلب في الأرض، واستقراء الأمم، والوقوف على عواقب الكافرين المكذبين،.
وقوله تعالى: إن تحرص الآية، الحرص: أبلغ الإرادة في الشيء، وهذه تسلية للنبي عليه الصلاة والسلام، أي أن حرصك لا ينفع، فإنها أمور محتومة. وقرأ ، نافع ، وابن كثير وأبو عمرو، ، وابن عامر ، والحسن ، والأعرج ، وأبو جعفر وشيبة ، ، ومجاهد وشبل، ومزاحم الخراساني، وأبو رجاء العطاردي، "لا يهدى" بضم الياء وفتح الدال، وقرأ وابن سيرين: ، عاصم ، وحمزة : "لا يهدي" بفتح الياء وكسر [ ص: 353 ] الدال، وهي قراءة والكسائي ، ابن مسعود وجماعة، وذلك على معنيين: أي أن الله لا يهدي من قضى بإضلاله، والمعنى الآخر أن وابن المسيب، العرب تقول: "يهدي الرجل" بمعنى "اهتدى"، حكاه ، وفي القرآن: الفراء لا يهدي إلا أن يهدى ، وجعله وغيره بمعنى "يهتدي"، وقرأت فرقة بفتح الياء وكسر الهاء والدال، وقرأت فرقة: "يهدي" بضم الياء وكسر الدال، وهي ضعيفة، وفي مصحف أبو علي "فإن الله لا هادي لمن أضل"، وحكاها أبي بن كعب : "فإنه لا هادي لمن أضل"، قال أبو حاتم : "الراجع إلى اسم "إن" مقدر في "يضل" على كل قراءة إلا قراءة "يهدي" بفتح الياء وكسر الدال، أي: يهدي الله، فإن الراجع مقدر في "يهدي" . وقوله: أبو علي وما لهم من ناصرين ضمير على معنى "من"، وتقول العرب : حرص يحرص وحرص يحرص، والكسر في المستقبل لغة أهل الحجاز . وقرأ ، الحسن وإبراهيم، وأبو حيوة بفتح الراء في قوله "حرص" وقرأ إبراهيم: "وإن تحرص" بزيادة الواو.
والضمير في قوله: "وأقسموا" لكفار قريش ، وذكر أن رجلا من المسلمين جاور رجلا من المشركين، فقال في حديثه: "لا والذي أرجوه بعد الموت"، فقال له الكافر: "أو بعث بعد الموت"؟ قال: "نعم"، فأقسم الكافر مجتهدا في يمينه أن الله لا يبعث أحدا بعد الموت، فنزلت الآية بسبب ذلك، و"جهد" مصدر، ومعناه: بغاية جهدهم، ثم رد الله تعالى عليهم بقوله: "بلى" فأوجب بذلك البعث. وقوله: وعدا عليه حقا مصدران مؤكدان، وقرأ "بلى وعد عليه حق" بالرفع في المصدرين، [ ص: 354 ] وأكثر الناس في هذه الآية الضحاك: والبعث من القبور مما يجوزه العقل، وأثبته خبر الشريعة على لسان جميع النبيين، وقال بعض الكفار المكذبون بالبعث، الشيعة: إن الإشارة بهذه الآية رضي الله عنه، وإن الله سيبعثه في الدنيا، وهذا هو القول بالرجعة، وقولهم هذا باطل وافتراء على الله، وبهتان من القول رده لعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما، وغيره.
ابن عباس