الذين كانت أعينهم في غطاء عن ذكري وكانوا لا يستطيعون سمعا أفحسب الذين كفروا أن يتخذوا عبادي من دوني أولياء إنا أعتدنا جهنم للكافرين نزلا قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا الذين ضل [ ص: 665 ] سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا أولئك الذين كفروا بآيات ربهم ولقائه فحبطت أعمالهم فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا ذلك جزاؤهم جهنم بما كفروا واتخذوا آياتي ورسلي هزوا
قوله تعالى: "أعينهم" كناية عن البصائر; لأن عين الجارحة لا نسبة بينها وبين الذكر، والمعنى: الذين فكرهم بينها وبين ذكري والنظر في شرعي حجاب وعليها غطاء، ثم قال: إنهم كانوا لا يستطيعون سمعا، يريد: لإعراضهم ونفارهم عن دعوة الحق.
وقرأ جمهور الناس: "أفحسب الذين" بكسر السين، بمعنى: أظنوا، وقرأ رضي الله عنه، علي بن أبي طالب والحسن البصري، وابن يعمر، ، ومجاهد -بخلاف عنه- "أفحسب الذين" بسكون السين وضم الباء، بمعنى: أكافيهم ومنتهى غرضهم؟ وفي مصحف وابن كثير : "أفظن الذين كفروا"، وهذه حجة لقراءة الجمهور. وقال جمهور المفسرين: يريد كل من عبد من دون الله تبارك وتعالى، كالملائكة، ابن مسعود وعزير، وعيسى، فيدخل في الذين كفروا بعض العرب واليهود والنصارى، والمعنى: إن ذلك ليس كظنهم، بل ليس لهم من ولاية هؤلاء المذكورين شيء، ولا يجدون عندهم منتفعا.
و"أعتدنا" معناه: يسرنا، و "النزل": موضع النزول، و "النزل" أيضا: ما يقدم للضيف والقادم من الطعام عند نزوله، ويحتمل أن يراد بالآية هذا المعنى، إن المعد لهم بدل النزول جهنم، كما قال الشاعر:
تحية بينهم ضرب وجيع
ثم قال تعالى: قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا الآية.
المعنى: قل لهؤلاء الكفرة على جهة التوبيخ-: هل نخبركم بالذين خسروا عملهم وضل سعيهم في الحياة الدنيا، وهم -مع ذلك- يظنون أنهم يحسنون فيما يصنعونه؟ فإذا طلبوا ذلك، فقل لهم: أولئك الذين كفروا بآيات ربهم ولقائه فحبطت أعمالهم فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا ، وقرأ : "قل سننبئكم"، وهذه صفة المخاطبين من كفار [ ص: 666 ] ابن وثاب العرب المكذبين بالبعث، و "حبطت" معناه: بطلت، و"أعمالهم" يريد: يريد ما كان لهم من عمل خير، وقوله تعالى: فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا يحتمل أنه لا حسنة لهم توزن في موازين القيامة، ومن لا حسنة له فهو في النار لا محالة، ويحتمل أن يريد المجاز والاستعارة كأنه يقول: لا قدر لهم عندنا يومئذ.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
فهذا معنى الآية عندي، وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أبو هريرة ثم قرأ: "يؤتى بالأكول الشروب الطويل فلا يزن بعوضة"، فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا ، وقالت فرقة: إن الاستفهام تم في قوله تعالى: "أعمالا"، ثم قال: هم الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا ، فقال رضي الله عنه: هم عباد اليهود والنصارى وأهل الصوامع والديارات، وقال سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه: هم علي بن أبي طالب الخوارج.
وهذا إن صح عنه فهو على جهة مثال فيمن ضل سعيه في الحياة الدنيا وهو يحسب أنه محسن. وروي أن ابن الكواء سأله عن "الأخسرين أعمالا" فقال له: أنت وأصحابك، ويضعف هذا كله قوله تبارك وتعالى بعد ذلك: أولئك الذين كفروا بآيات ربهم ولقائه ، وليس من هذه الطوائف من يكفر بلقاء الله تعالى، وإنما هذه صفة مشركي عبدة الأوثان، فاتجه بهذا ما قلناه أولا، وعلي وسعد رضي الله عنهما ذكرا قوما أخذوا بحظهم من صدر الآية. وقوله: "أعمالا" نصب على التمييز، وقرأ الجمهور: "فحبطت" بكسر الباء، وقرأ ، ابن عباس وأبو السمال: "فحبطت" بفتح الباء، وقرأ كعب بن عجرة، والحسن، وأبو عمرو، ، والناس: "فلا نقيم" بنون العظمة، [ ص: 667 ] وقرأ ونافع : "فلا يقيم" بياء الغائب، يريد: فلا يقيم لله عز وجل، وقرأ مجاهد "فلا يقوم"، ويلزمه أن يقرأ: "وزن"، وكذلك قرأ عبيد بن عمير: "فلا يقوم لهم يوم القيامة وزن". مجاهد
وقوله تعالى: "ذلك" إشارة إلى ترك إقامة الوزن، و"جزاؤهم" خبر الابتداء في قوله: "ذلك"، وقوله: "جهنم" بدل منه، و "ما" في قوله: بما كفروا مصدرية. و "الهزء": الاستخفاف والسخرية.