قوله عز وجل:
واذكر في الكتاب إدريس إنه كان صديقا نبيا ورفعناه مكانا عليا أولئك الذين أنعم الله عليهم من النبيين من ذرية آدم وممن حملنا مع نوح ومن ذرية إبراهيم وإسرائيل وممن هدينا واجتبينا إذا تتلى عليهم آيات الرحمن خروا سجدا وبكيا
إدريس عليه السلام هو من أجداد نوح ، وهو أول نبي بعث إلى أهل الأرض فيما روي بعد آدم صلوات الله عليه، وهو أول من خط بالقلم، وكان خياطا، ووصفه الله تعالى بالصدق، والوجه أن يحمل ذلك على العموم في الأحاديث والأعمال، قال رضي الله عنه: هو ابن مسعود إلياس ، بعث إلى قومه بأن يقولوا لا إله إلا الله، ويعملوا ما شاؤوا، فأبوا فأهلكوا.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله :
والأشهر أنه لم يبعث بإهلاك أمة، وأنه نبي فقط.
واختلف الناس في قوله: ورفعناه مكانا عليا - فقال جماعة من العلماء: هذا هو رفع النبوءة والتشريف والمنزلة، وهو في السماء كما سائر الأنبياء. وقالت فرقة: بل رفع إلى السماء، قال رضي الله عنهما: كان ذلك بأمر الله كما رفع ابن عباس عيسى عليه السلام ، وهنالك مات إدريس عليه السلام ، وكذلك قال إلا أنه قال: ولم يمت، وكذلك قال مجاهد ، وقال وهب بن منبه كعب الأحبار : كان له خليل من الملائكة فحمله على جناحه وصعد به حتى بلغ السماء الرابعة، فلقي هنالك ملك الموت. فقال له: إنه قيل لي: اهبط إلى السماء الرابعة فاقبض روح لابن عباس إدريس ، وإني لأعجب كيف يكون هذا، فقال له الملك الصاعد: هذا إدريس معي، فقبض روحه. وروي أن هذا كله كان في السماء السادسة، قاله رضي الله عنهما، وكذلك هي رتبته في حديث الإسراء في بعض الروايات، وحديث ابن عباس أنس بن مالك رضي الله عنهما في الإسراء يقتضي أنه في السماء الرابعة. وأبي هريرة
وقوله تعالى: أولئك الذين أنعم الله عليهم من النبيين من ذرية آدم الآية. الإشارة بـ " أولئك " إلى من تقدم ذكره، وقوله: من ذرية آدم يريد إدريس ونوحا عليهما السلام، وممن حملنا مع نوح يريد إبراهيم عليه السلام ، ومن ذرية إبراهيم يريد إسماعيل وإسحاق ويعقوب عليهم السلام، وإسرائيل يريد موسى وهارون وزكريا [ ص: 45 ] ويحيى وعيسى بن مريم عليهم السلام. وقوله: وممن هدينا واجتبينا ، معناه: اخترنا واصطفينا، وكأنه من: "جبيت المال" إذا جمعته، ومنه جباية المال، كأن جابيه يصطفيه. وقرأ الجمهور : "إذا تتلى" بالتاء من فوق، وقرأ ، نافع وشيبة، : "إذا يتلى" بالياء. و "الآيات" هنا الكتب المنزلة، و "سجدا" نصب على الحال لأن مبدأ السجود سجود، وقرأ وأبو جعفر رضي الله عنه، والجمهور: "وبكيا"، قالت فرقة: هو جمع باك، كما يجمع عات وجاث على عتي وجثي، وقالت فرقة: هو مصدر بمعنى البكاء، التقدير: وبكوا بكيا، واحتج عمر بن الخطاب الطبري لهذا القول بأن ومكي رضي الله عنه روي أنه قرأ سورة عمر بن الخطاب مريم فسجد ثم قال: هذا السجود فأين البكي؟ يعني البكاء .
قال القاضي أبو محمد رحمه الله :
واحتجاجهما بهذا فاسد; لأنه يحتمل أن يريد رضي الله عنه: فأين الباكون؟، فلا حجة فيه لهذا، وهذا الذي ذكروه عن عمر رضي الله عنه ذكره عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم. وقرأ أبو حاتم رضي الله عنه، ابن مسعود ، ويحيى : "وبكيا" بكسر الباء، وهو مصدر على هذه القراءة لا يحتمل غير ذلك. والأعمش