قوله عز وجل:
ولو أنا أهلكناهم بعذاب من قبله لقالوا ربنا لولا أرسلت إلينا رسولا فنتبع آياتك من قبل أن نذل ونخزى قل كل متربص فتربصوا فستعلمون من أصحاب الصراط السوي ومن اهتدى
أخبر الله تعالى نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم أنه لو أهلك هذه الأمة الكافرة قبل إرساله إليهم محمدا صلى الله عليه وسلم لقامت لهم حجة وقالوا: لولا أرسلت إلينا رسولا الآية. وروى رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: أبو سعيد الخدري يحتج على الله تعالى يوم القيامة ثلاثة: الهالك في الفترة، والمغلوب على عقله، والصبي الصغير، فيقول المغلوب على عقله: رب، لم لم تجعل لي عقلا؟ ويقول الصبي نحوه، ويقول الهالك في [ ص: 149 ] الفترة: يارب، لم لم ترسل إلي رسولا؟ ولو جاءني لكنت أطوع خلقك لك، قال: فترفع لهم نار، ويقال لهم: ردوها، قال: فيردها من كان في علم الله أنه سعيد، ويكع عنها الشقي، فيقول الله تبارك وتعالى: إياي عصيتم، فكيف برسلي لو أتتكم؟" .
قال القاضي أبو محمد رحمه الله :
أما الصبي والمغلوب على عقله فبين أمرهما، وأما صاحب الفترة فليس ككفار قريش قبل النبي صلى الله عليه وسلم; لأن كفار قريش وغيرهم ممن علم وسمع عن نبوة ورسالة في أقطار الأرض فليس بصاحب فترة، والنبي صلى الله عليه وسلم قد ، ورأى قال للرجل الذي سأله عن أبيه: أبي وأبوك في النار عمرو بن لحي في النار، إلى غير هذا مما يطول ذكره، وإنما صاحب الفترة يفرض أنه آدمي لم يصل إليه أن الله تعالى بعث رسولا ولا دعا إلى دين، وهذا قليل الوجود، اللهم إلا أن يشذ في أطراف الأرض المنقطعة عن العمران، و الذل والخزي مقترنان بعذاب الآخرة،.
ثم أمر الله نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم أن يتوعدهم ويحملهم ونفسه على التربص وانتظار الفرج، و "التربص": التأني، و "الصراط": الطريق. وقرأت فرقة: "من أصحاب الصراط السوي"، وقرأت فرقة: "الصراط السواء"، فكأن هذه الآية قسمت الفريقين، [ ص: 150 ] أي: ستعلمون هذا من هذا، وقرأت فرقة: "الصراط السوا" بشد الواو وفتحها، وقرأت فرقة: "الصراط السوؤى" بضم السين وهمزة على الواو، على وزن فعلى. و "من اهتدى" معناه: رشد.
كمل تفسير سورة طه والحمد لله رب العالمين.