[ ص: 151 ] بسم الله الرحمن الرحيم
تفسير سورة الأنبياء
هذه السورة مكية بإجماع، وكان يقول: (الكهف ومريم وطه والأنبياء من العتاق الأول، وهي من تلادي) ، يريد: من قديم ما كسبت وحفظت من القرآن كالمال التلاد. عبد الله بن مسعود
قوله عز وجل:
اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث إلا استمعوه وهم يلعبون
روي أن رجلا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يبني جدارا، فمر به آخر في يوم نزول هذه السورة، فقال الذي كان يبني الجدار: ماذا نزل اليوم من القرآن؟ فقال له الآخر: نزل اليوم اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون ، فنفض يده من البنيان وقال: والله لا بنيت أبدا وقد اقترب الحساب.
وقوله تعالى: اقترب للناس حسابهم عام في جميع الناس وإن كان المشار إليه في ذلك الوقت كفار قريش ، ويدل على ذلك ما بعد من الآيات، وقوله: وهم في غفلة معرضون يريد الكفار.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله :
ويتجه من هذه الآية على العصاة من المؤمنين قسطهم.
وقوله تعالى: ما يأتيهم وما بعده مختص بالكفار، وقوله: من ذكر من ربهم ، قالت فرقة: المراد مما ينزل من القرآن، وقوله: "محدث" يريد نزوله وإتيانه [ ص: 152 ] إياهم، لا هو في نفسه. وقالت فرقة: المراد بالذكر أقوال النبي صلى الله عليه وسلم في أمر الشريعة، ووعظه وتذكيره، فهو محدث على الحقيقة، وجعله "من ربهم" من حيث إن النبي صلى الله عليه وسلم لا ينطق عن الهوى، ولا يقول إلا ما هو من عند الله، وقالت فرقة: "الذكر" الرسول نفسه، واحتجت بقوله تبارك وتعالى: قد أنزل الله إليكم ذكرا رسولا يتلو عليكم آيات الله مبينات ، فهو محدث على الحقيقة، ويكون معنى "استمعوه" بمعنى: استمعوا إليه. وقوله: وهم يلعبون جملة في موضع الحال، أي: استماعهم في حال لعب، فهو غير نافع ولا واصل النفس.